تصور يوم ميلادك أنك تولد بحقيبة ظهر خفية، تضع فيها كل ما يمر من خلال عقلك وقلبك، تملؤها كل يوم وبلا توقف.
فهل توقفت يوما لترى ما تحمل بداخلها؟ هل يعنيك فعلا نوعية الأشياء التي تحملها؟ هل تحمل على ظهرك أحلام وأماني، أم ضغائن وأحقاد؟
هناك أشخاص حقائبهم لا تلاحظ ثقلها، وآخرين يحملون أثقال العالم على أكتافهم، لا تشعر بهم ما دام يتحرك، ما دام يسعى دوما تظنه بخير.
لا بأس بظنك سيدي، ما دمت لا تراني، لكني موجود اسعى واجتهد وأُكافح في حياة معظم طُرقها وعرة.
ما تعرفه عني هو ما أحدثك به، لكني لست بخير طوال الوقت.
أنا بخير طالما ملكت نفسي، لكنها أحيانا لا تصاحبني معروفا.
هرمت في سنوات طوال حاملة حقيبة على ظهري، وحدي أتألم من أثقال تقذفها الحياة في جعبتي، ما لي على حملها صبر ولا جلد؛ أحنْت ظهري حتى ظننت أنه لن يستقم.
المفارقة أنك أحيانا تضطر أن تحمل حقيبة الظهر عن كل من تحب، وكل من لا يستطيع تحمل الحِمل، وكل من يندرج تحت سقف محبتك.
أليس من أجل ذلك تهترئ القلوب؟ ألا يجعل ذلك عظامك تلين؟ أليس تحميل قلبك فوق طاقته قد يصيبه بالهشاشة؟
أتعرف ما هي هشاشة القلوب؟
إنها قلوب يعتصرها ألم عدم القدرة على التحمل فأصبحت خاوية من دمائها؛ جفت أو كذلك ظنت.
كل ذكرياتك، أحلامك وآمالك، خيباتك وسقْطاتك، نجاحَاتك وانتصَاراتك، جميعها تزن مئات الأرطال وتحملها كلها فوق ظهرك، أليس كذلك؟
لا يا سيدي!! أنت لا تحمل كل ما سبق وحدك، لكُنت قد هلكت منذ عشرات السنين.
صحيح أننا نفضل إخفاء الكثير عن أنفسنا بعيدا عن عيون أحبابنا، لكن هناك من يأتي يربت على كتفك، ينزع حقيبتك عن ظهرك، يعلن أمام قلبك أنك ها الوقت سترتاح؛ أنا اليوم عضدك.
ما أجمل وأقيم وأرقى هؤلاء، إنهم ملائكة الإنس، أُناس أفئدتهم خارج ضلوعهم، تسبح بين قلوب المحتاجين لتروي عطشًا وتجفف دمعًا، معلنة حضور الرحمة وأوان الاطمئنان.
هؤلاء ليسوا ملائكة الرحمة، إنهم حوايا قلوبنا، نساء ورجال متنكرين في صورة فضل يسعوا بيننا بود، حارس أمن على قلوب المتعبين.
هل أخبرتك قبل ذلك أن الديار محلُها القلب؟ وأن دارك في مأمن ما دمت تملكها؟
لكني لم أخبرك بعد كيف تحمل أثقالك بشجاعة أليس كذلك؟
بسيطة جدا أفلتها كلها بين يدي الله. اترك أوجاعك ومخاوفك كلها لمن كان دوما هناك يخفف حمل حقيبتك.
القلب المثقل مهزوم، والحمل الثقيل قد يحني روحك للأبد. ليس من الحكمة أن تتحمل كل هرائك هذا وأنت منكسر العضد مكتوف اليدين مغلوب القلب تضل طريق أمانك.
أريد الكثير وأخشى الأكثر ولا أعلم هل سأصل أم أضل الطريق وأفقِد أو أُفقد.
يا إلهي تكفل بقلبي فقد أعيتني الحيل وأنت سبيلي الأوحد لاعاود التقاط أنفاسي.
أبحرت عمرا في نفسي ولم أجدني بخير إلا وأنا بجوارك، فهل ضللتُ الطريق؟ هل تختبرني؟ أم مازلت أقوى على حمل حقيبتي؟
لا أعلم، لكني أتمسك باليسر الذي يتخلل الدروب، أتمسك بالأمن الذي يخفي الخوف، أتمسك بالأمل الذي يغرق الهزيمة، واستمسك بحبل ودك الذي طالما آنس خواء قلبي.
في رحلة مُقَدَّرَة جديرة بالحياة ستحتاج دوما من يحمل عنك مخاوفك ويشاركك أحلامك، تحتاج أن تجد من يشعر بك ويتحمل معك عناء الطريق.
لكن أهم ما تحتاج إليه بالقطع أن تدع أثقالك بين يدي الله. أفرغ حقيبة ظهرك يوميا في صلاتك، وكن موقنا بسلامة الوصول.
أتعلم يا صديقي أن آلامك تتبخر لو قررت أن تشعر بآلام الآخرين. أحيانا أفضل الحلول لمشكلاتنا تأتي من داخلنا، فكلما نخرت الدنيا قلبي وأثقلت حقيبتي أبحث عن حقائب المثقلين؛ هنالك أثق أني سأكون بخير.
أؤمن أن الله يُبقي النعم حول كل من آمن أنها ستبقى بجواره. أحب أن أتصور أني سأكون بخير ومن أُحب، وأن الله سيديم نِعَمي، وأن ليس لذلك من سبيل إلا بنقاء سريرتي والمرور سريعا على أحزاني، ومن ثَم أطيل البقاء وأنا بخير مثقلة بالنعم لأكن لك دوما من يحمل عنك حقيبة ظهرك.
التعليقات