(أقبل الليل) واحدة من القصائد القليلة لأم كلثوم التى لم تحقق النجاح الذى كان يترقبه ملحنها رياض السنباطى، سألوه عن السبب؟ أجاب: نجحت القصيدة وفشل الجمهور.
هل من الممكن أن نصف الجمهور بالفشل لأنه لم يلاحق أو يتذوق ومضات الإبداع، نفس هذا الجمهور المتهم فى ذائقته، هو الذى صعد للقمة عام 1966 بقصيدة (الأطلال)، أى قبل ثلاث سنوات من (أقبل الليل).
الغريب أن نجاح (الأطلال) هو المفاجأة الكبرى فى تاريخ الغناء الشرقى، والتى جاءت بعد عامين فقط من زلزال اسمه (إنت عمرى)، حيث كانت هى المسيطرة على أسماع الناس، (الأطلال) برغم الفصحى أطاحت بها من على العرش، وظلت سنوات هى الأعلى فى تحقيق الأداء العلنى، والأكثر شعبية وهو ما يحسب من وجهة نظرى للجمهور بالدرجة الأولى، هذا الجمهور المثقف انحاز للكلمة واللحن الأصعب.
السنباطى يشعر أنه بذل جهدًا أكبر فى لحنه (أقبل الليل) الذى لم يلق نفس القدر من النجاح، كثيرًا ما ينحاز المبدع لعمله الفنى، لأنه يدرك الكثير من التفاصيل المجهولة ربما عن الجمهور الذى لا يستوقفه الكثير من تلك التفاصيل، مثلًا الموسيقار محمد الموجى قدم لأم كلثوم لحنين عاطفيين (للصبر حدود) و(اسأل روحك)، الأول أدى إلى أن تقيم أم كلثوم دعوى قضائية ضده لأنه تأخر فى التنفيذ، وقال الموجى وقتها للقاضى إن المذنب هو الإلهام، وعليه أن يصدر حكمًا قضائيًّا ضد الإلهام الهارب منه.
أصرت أم كلثوم، كما يقول الموجى فى (للصبر حدود)، على أن تُسنبط اللحن أى تجعله يسير على خطى ملحنها الأثير رياض السنباطى، وهو ما لم يُرض الموجى، بينما فى الثانى (اسأل روحك)، كان الموجى يعبر بالضبط عن الموجى، ورغم ذلك فإن (للصبر حدود) اللحن (المتسنبط) وصل للناس أكثر.
بين الموسيقار كمال الطويل وليلى مراد أكثر من لحن ناجح مثل (ليه خلتنى أحبك) و(القلب بيتنهد) وغيرهما، إلا أن كمال الطويل يرى أن لحن (دموع عنيه) هو الأفضل، رغم أنه لم يحقق أى قدر من النجاح، وحرصت على الاستماع إليه أكثر من مرة، ولم ألمح أبدًا هذا السحر الذى ذكره لى وأفاض فى شرحه الموسيقار الكبير كمال الطويل.
الكاتب الكبير يوسف إدريس اعترض تقريبًا على كل أعماله الفنية الناجحة المأخوذة عن قصص له مثل (الحرام) و(لا وقت للحب) و(النداهة)، وأيضًا عن فكرة كتبها مباشرة للسينما (حدوتة مصرية)، حيث لجأ المخرج يوسف شاهين إلى ابتكار حالة بين الروائى والسينمائى، فى منطقة متوسطة تجمع بين العالمين، يروى يوسف إدريس تخيله على شريط كاسيت، وبعدها يبدأ شاهين فى تفريغه على الورق لكتابة السيناريو.
بالمناسبة انتهت هذه الحالة من الوئام إلى ساحة القضاء بعد عرض الفيلم بدقائق اتهم إدريس شاهين بتشويه فكرته.
لم يرض كاتبنا الكبير عن أى عمل فنى استلهمته له السينما سوى (حادث شرف) إخراج شفيق شامية، لأن إدريس كتب له السيناريو والحوار، وكان هو الأقل جماهيريًّا، والخالى أيضًا من روح السينما، بين كل الأفلام المأخوذة عن روايات كاتبنا الكبير. هل نستطيع ترديد: نجح المبدع وخسر الجمهور؟، أراها مجحفة فى حق الناس، العمل الفنى أساسًا من الجمهور وإلى الجمهور يعود، وربما لا يعود!.
التعليقات