تقول الأمريكية ديانا سبينسر، التي تقدم خدمات استشارية في مجال الإعلان عن طريق الإنترنت، إن الإعلان الناجح يتصف بامتلاكه حزمة شروط تتضمن الكلمة الأخاذة، والشكل الجذاب، والوسيط الإعلامي الملائم، والحجم المناسب.
أما خبير الإعلان فاروق نعيم الذي يقيم ويعمل في دبي، فيقول إنه في عالم الإعلان، غالباً ما تكون الفكرة هي الحد الفاصل بين النجاح والفشل، ذلك أن فكرة ناجحة قد تعود على صاحبها (أو الشركة التي يعمل لصالحها) بملايين الدولارات، وفي المقابل فإن فكرة فاشلة قد تكلف أكثر من مجرد خسارة المال الوفير.
لفاروق نعيم خبرة مع شركات إعلان متعددة الجنسيات في كل من أوروبا وآسيا والعالم العربي، وهو الآن يقيم في دبي ويدير مكتباً استشارياً في مجال الإعلانات، ولديه واحدة من أشهر المدونات الإعلانية في عالم الإنترنت. وهو يلخص خبرته الممتدة في هذا المجال بالقول إن الفكرة في الإعلان هي نقطة القوة بمثل ما هي نقطة الضعف، إذ إن ضعفها يتمثل في انعدام حصانتها، وبقائها عرضة للاقتناص من قبل المدعين.
يقول نعيم: "إن السطو على فكرة ناجحة لا يقل خطورة عن السطو على كنز من العملة الصعبة." وهو يرى إلى الفكرة الإعلانية باعتبارها الإطار الذي يجمع بين جنباته كافة العناصر التي أشارت إليها سبينسر، وبالتالي فإنها تشبه البصمة التي نادراً ما تتماثل مع أخرى، "ومع ذلك تجد في هذا العالم من يغرفون بجرأة من معين الأفكار المستعملة في مكان آخر من العالم، ويعيدون استخدامها بعد أن ينسبوها لأنفسهم في ادّعاء واه للإبداع والابتكار.
ولأن الصالح يذهب بجريرة الطالح، كما يقول نعيم فإن انتشار آفة الانتحال قد أساء إلى جل العاملين في ميدان الإعلان. وبابتسامة ساخرة يستذكر نعيم رسالة إلكترونية تلقاها من أحد الزملاء تتضمن حكايات فضائحية عن أفكار إعلانية منتحلة، وتحمل عنواناً يقول "أرجوك.. لا تخبر والدتي أنني أعمل في الإعلان"!
آل رايز الذي ألّف مع ابنته لورا رايز كتاباً بعنوان "أفول الإعلان وسطوع العلاقات العامة" يتحدث عن الإعلان المعاصر بعين النقد ذاتها، مشيراً إلى (آفة) أخرى أصيبت بها صناعة الإعلان المعاصرة، وهي آفة التجريد. "فالفكرة تندرج في باب السهل الممتنع، والخبراء الذين يعجزون عن اختراق الممتنع من بوابة السهولة، يلجأون إلى التعدي على الإبداع من نافذة الشطط. وبالنتيجة فإن الإيغال في التجريد قد أقصى الإعلان عن البعد الوظيفي، ليبقيه في الفضاء الجمالي والرمزي الذي عادة ما يكون غير مفهوم.
هذه السوريالية هي المسؤولة بالدرجة الأولى، كما يقول الثنائي رايز، عن (الحضيض) الذي وصلت إليه سمعة المعلنين. أما الأسباب الأخرى الأقل أهمية فهي تتضمن في ما بينها أموراً من قبيل إعادة إنتاج الأفكار، الأمر الذي يتفق مع ما أشار إليه نعيم. وبصرف النظر عن مدى الاختلاف في تقييمات كل من الثنائي رايز والخبير فاروق نعيم، فإن أصحاب هذه التقييمات يتفقون على توصيف النتيجة، وفي هذا الصدد يشير الثنائي رايز إلى دراسة نشرت في بريطانيا تبين أن المعلنين يأتون في المرتبة قبل الأخيرة من حيث السمعة والمصداقية في نظر الناس، ولا يتفوق عليهم في اللامصداقية إلا تجار السيارات المستعملة!
ومن وجهة نظر الثنائي رايز فإن هذا الوضع هو الذي يفسر "أفول الإعلان وسطوع العلاقات العامة"، وهما يستشهدان بتجارب عالمية فاقعة لشركات أدارت ظهورها للإعلان واتجهت إلى عالم العلاقات العامة الرحب، ومن تلك الشركات ستاربكس، وبروتوكس، و (eBay) وحتى ناشري كتاب هاري بوتر الشهير.
لكن تبخر مصداقية الإعلان قد لا يصب بالضرورة في نهر العلاقات العامة، وخصوصاً في سوق صاعدة كالسوق الخليجية، والدليل ما حدث مع شركة برومكس التي تعمل في دبي، والتي يرى مديرها سيم أريكولر أن عالم العلاقات العامة يشهد آفات لا تقل خطورة، ما حدا بالشركة إلى اتخاذ قرار لا رجعة عنه بالخروج نهائياً من سوق العلاقات العامة والتحول إلى سوق الاستشارات والشؤون العامة (Public Affairs).
يقول سيم أريكولر، إن قرار الخروج من دنيا العلاقات العامة قد جاء لسببين أساسيين، هما "كثرة المتطفلين الذين (ضربوا) الأسعار، وقلة العملاء النوعيين الذين يمتلكون القدرة على تقييم وقياس أثر الجهد المبذول.
ويشير أريكولر إلى أن قرار الشركة قد انطوى على كلفة عالية، تتمثل في خسارة كوكبة من العملاء المهمين، بالإضافة إلى كلفة تدريب طاقم جديد من الخبراء في الاستشارات والشؤون العامة. وكشف أريكولر عن أن الشركة تكلفت مبلغ 136 ألف دولار لإقامة برنامج مدته ستة أشهر لتدريب فريق من الاستشاريين على العمل في ظروف السوق الخليجية.
وللتدليل على إصرار الشركة على الخروج النهائي من سوق العلاقات العامة، قال أريكولر: "طلبنا من عملائنا السابقين التحول نحو خدماتنا النوعية الجديدة، والذين قبلوا منهم ينعمون الآن بمستوى تخصصي رفيع من الخدمة، أما من تشبثوا بالعقود السابقة، فلم نتردد في فض عقودنا معهم.
لكن على ما يبدو، فإنه لا تجربة برومكس وأمثالها، ولا آراء فاروق نعيم وأقرانه، تكفي للاستدلال إلى ضمور أي من سوق الإعلان أو العلاقات العامة في المنطقة، فخبير الإعلان السعودي فيصل عبد الله، الرئيس التنفيذي لمجموعة (Visuals Marketing Communications Group) يرى أن سوق الإعلان في المنطقة مقبلة على صعود حاد، بالنظر إلى المشاريع العملاقة التي تلوح في الأفق خلال السنوات القليلة المقبلة.
التعليقات