منذ أكثر من ألف عام والأزهر الشريف منارة للعلوم الشرعية وقبلة لمن أراد هذا العلم، ومركز للمعرفة والوسطية التي لا تعرف الغلو ولا الشطط، فى أروقته تعلم الملوك والسلاطين والقضاة والحكام، وفى جامعته تخرج الرؤساء والوزراء والسفراء من أصقاع الدنيا، ومن صحنه انطلقت الثورات، ومن على منبره انتشر الإسلام في بقاع المعمورة، وهدأت هذه الأروقة فترة من الوقت، لتعود بقوة وتحمل شعلة العلوم مرة أخرى.
وعادت الحياة إلى الأروقة الأزهرية، وانتشرت الحلقات والدروس والمجالس الدعوية والمحاضرات الأسبوعية التى تنظمها إدارة المسجد للمصلين وطلاب الجامعة من المصريين والوافدين الأجانب، فى الفقه والحديث والتفسير والعبادات والمعاملات، والتراث الإسلامي، وأمهات الكتب التى يعاد تدريسها، فى هذه الحلقات، والدروس المخصصة لطلاب جامعة الأزهر، من خلال أروقته النوعية.
وتعمل تلك الأروقة فى تناغم وتكامل فيما بينها لخدمة المسلمين فى كل مكان من منطلق المسئولية التاريخية والصورة الذهنية للأزهر الشريف فى عقول وضمائر الناس.
فالجامع الأزهر هو قبلة العلم يمارس نشاطه الممتد والمعروف عبر تاريخه من خلال أروقته المتنوعة والتى منها رواق العلوم الشرعية والمختص بإقامة البرامج العلمية فى العلوم الشرعية والعربية على المنهج الأزهرى ورواق القرآن الكريم والقراءات والمختص بعقد حلقات القرآن وفنون التلاوة والأصوات والرواق الدعوى والمختص برسم الخريطة الدعوية للجامع من خلال خطب الجمعة ودروس الوعظ وغير ذلك.
ومشروع الرواق الأزهرى بالجامع الأزهر تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر هو أحد آليات تجديد الخطاب الدينى بما يشتمل عليه من محددات منهجية وثقافية تعيد للجامع الأزهر بريقه العلمى ودوره التاريخى وأهميته العالمية.
وهذه الأروقة كان لها دور تاريخى؛ مشهود منذ تأسيس الجامع الأزهر؛ وكانت تستقبل طلاب العلم من كل بقاع الأرض.
وتخرج منها كبار العلماء؛ الذين عرفتهم الحضارة الإسلامية؛ ومن أبرزهم: الطبيب موسى بن ميمون وعمر بن الفارض والدردير والجبرتي والطهطاوي ومحمد عبده والأفغانى وغيرهم الكثير.
وكان من أبرزها الرواق العباسى الذى تأسس فى عهد الخديو عباس حلمي وهو أحد أشهر الأروقة بالجامع الأزهر وما نقوم به الآن هو تطوير لأنشطة الأروقة بالجامع وتقنينها وإعادة تنظيمها بشكل يتوافق مع معطيات العصر وآليات التواصل التكنولوجى وأوعية المعلومات الحديثة.
وتوظيف ذلك كله جاء بهدف إحياء المنهج الأزهرى الأشعرى الوسطى ؛الذى يحارب كل أنواع التطرف والأتجاهات المتشددة.
كما يعد مشروع الرواق أحد آليات تجديد الخطاب الدينى بما يشتمل عليه من محددات منهجية وثقافية تعيد للجامع الأزهر بريقه العلمى ودوره التاريخى وأهميته العالمية.
ويقوم مشروع الرواق الأزهرى ؛ بتقديم خدماته والقيام بدوره من خلال نشاطات الأروقة المختلفة ومنها رواق اللغات الأجنبية؛ والذى بدأ بترجمة خطبة الجمعة بعدة لغات؛ وإعطاء محاضرات فى العلوم الشرعية للأجانب كخطوة نوعية مهمة.
وكذلك الرواق العلمى والدعوى والذى يتولى مسئولية تنسيق الدروس الدينية ؛وفق المنهج والخطة الموضوعة لتحقيق الاستفادة القصوى لطلاب العلم؛ والجمهور العام ممن يترددون على دروس العلم بالجامع.
وكذلك رواق القرآن الكريم وعلومه والذى يعقد يومياً حلقات لتحفيظ القرآن ؛وأحكام التجويد بالجامع ويقوم عليها نخبة من القراء المتقنين .
وقضية تجديد الخطاب تبدأ أولاً بإصلاح منظومة التعليم والعمل على نشر الوعى والثقافة.
فذلك يخلق جيلاً لديه عقلية منظمة وتفكير نقدى لا يمكن أن تسيطر عليه جماعة هنا أو هناك أو أن تملأه أفكار هدامة، لكن حالة الفراغ الثقافى لدى الشباب وفى المقابل ضعف مستوى من يتصدون للدعوة أديا لترك مساحات تسلل خلالها أدعياء العلم وأرباب التطرف والغلو.
فإن الأزهر يعكف الآن على رفع كفاءة خريجيه وخاصة الذين يقومون بالخطاب الديني، وكذلك التركيز على التواصل مع الشباب وفهم لغة الخطاب الخاصة بهم والبعد عن الأساليب التقليدية فى الخطاب الديني.
ولا يمر يوم إلا ويقوم الأزهر بخطوات على طريق تجديد الخطاب الديني؛ فهو أولوية عاجلة يكرس الأزهر جهوده نحوها؛ وذلك فى عدة مسارات منها؛ مثلاً إصدار المطبوعات التى تحارب الفكر المتشدد؛ وتحرير المفاهيم محل الاختلاف.
وكذلك عقد الدورات المكثفة لوعاظ الأزهر من مختلف مناطق الجمهورية للارتقاء بمستواهم الثقافى والفكرى وبما يمكنهم من التواصل الفعال مع شرائح المجتمع المختلفة وخاصة الشباب.
بالإضافة لإصدار وثائق تاريخية باسم الأزهر ؛فى غاية الأهمية تأتى نتاج لقاءات موسعة بالعلماء؛ والمثقفين والأدباء.
وغيرهم من قادة الرأى فى المجتمع، تلك الوثائق التى تسجل موقف الأزهر وتبين رؤيته فى القضايا والأحداث المهمة، وهو الدور الوطنى المعروف للأزهر تاريخيا.
التعليقات