في الأول من محرم ومن كل عام هجري، تحتفل الأمة العربية والإسلامية برأس السنة الهجرية، وفي هذا اليوم يستذكر المسلمون خروج الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة من ظلم قريش إلى المدينة المنورة.
ان الهجرة النبوية الشريفة فتحت أفقا واسعا، لانطلاق الدعوة التي عاشت نحو ثلاث عشرة سنة في مكة، لا تعرف إلا السر والخوف من أذي وبطش صناديد قريش ضد المستضعفين من المسلمين، الذين لم يحمهم وينصرهم علي عدوهم منصف أو عاقل.
لذا كانت الهجرة متنفسا عبر به هؤلاء المستضعفون، من مكان الخوف والنصب إلي دولة تأسست علي العدل والرحمة، والشوري في كل الأمور.
أن الهجرة أسست وأرست مبادئ مهمة تصلح لكل زمان ومكان منها العدل والمساواة واحترام حقوق الجميع دون تفرقة بين اسود أو ابيض أو غني أو فقير او عربي واعجمي إلا بالتقوى.
كما أرست الهجرة مبدأ المواطنة، ومعناه بالمفهوم البسيط ان يعيش جميع المواطنين مسلمين ومسيحيين ويهود في وطن واحد، لهم كل الحقوق وعليهم جميع الواجبات تجاه بلدهم ووطنهم، وهذا ما عبرت عنه وثيقة المدينة التي تعرف بأول وثيقة عرفتها البشرية لحماية حقوق الإنسان.
قد أبرمها رسول الله صلي الله عليه وسلم مع ساكني المدينة المنورة، من اليهود وأصحاب الديانات الأخري وبين المسلمين، بان يدفع عنهم كل معتد وان يدافعوا معه عن المدينة، بالإضافة إلي أن حرية العبادة تكون مكفولة للجميع، وبهذا يكون قد امن الرسول صلي الله عليه وسلم أفراد الدولة من غير المسلمين.
وأنه بالنسبة للمسلمين فقد قام عليه الصلاة والسلام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد ضرب الجميع القدوة والمثل في الإيثار وحب أخيه، وليس أدل علي ذلك من عرض احد الأنصار علي احد المهاجرين اختيار إحدي زوجاته فيطلقها له ليتزوجها وان يقاسمه نصف ماله.
وهذا يعرف من قصة عبد الرحمن بن عوف ، مع أخيه من الأنصار سعد ابن الربيع حيث خيره سعد في اختيار إحدي زوجاته فيطلقها ليتزوجها عبد الرحمن بن عوف وأراد أن يعطيه نصف ماله، ولكن عبد الرحمن بن عوف رفض ذلك وقال له: بارك الله لك في زوجك ومالك ولكن دلني علي السوق، فأصبح بعد ذلك من كبار تجار المدينة.
وهنا درس وعبرة لمن يريد أن يفهم ويأخذ الأسوة، في الإيثار لأحب الأشياء إلي قلب، ونفس الإنسان وهي المال والزوجة والضيعة، مما يدل علي بلوغ هؤلاء الصحابة من الرجال والنساء أعلي وأسمي درجات الحب، في الله الذي لا يدانيه أي أمر آخر مهما عظم أو كبر.
فدروس الهجرة تشمل كل جوانب الحياة، فكانت هناك دروس فى التخطيط والمناورة، وتغيير التخطيط وقت الضرورة، والاستعانة بالخبراء والمتخصين وتطبيق هذه المعانى على الواقع، والأحداث والأزمات المعاصرة يجعلنا نجد سبيلا للرقى والنهوض بالمجتمع.
فقد كانت الهجرة بداية لتأسيس أركان الدولة الإسلامية فى المدينة، فكان بناء المسجد والصلح بين الأوس والخزرج، ووضع وثيقة المدينة.
وهكذا برز دور الشباب في إنجاح الهجرة المباركة ، وإرساء قيمة الإخاء والعدل والمساواة بين المسلمين، في مجتمع المدينة المنورة ، والقضاء علي العصبية المقيتة البغيضة، فكلهم مسلم لا فرق بينهم إلا بالتقوي والعمل الصالح ، ليعيش الجميع تحت مظلة الحب في الله تعالي.
يظل حدث الهجرة النبوية يمد الحياة الانسانية، بدروسه وعبره ويؤكد لكل الاجيال في كل الأرض، ان معية الله سبحانه وتعالي تصون الناس من كل شر أو أذي.
فما أحوج الأمة إلي استلهام تلك الدروس والعبر، وأن تجعلها واقعاً في حياتها تحل بها مشاكلها، وتنصر دين ربها فينصرها الله علي عدوها.
وهكذا تشرق علينا ذكري الهجرة النبوية، فتنشر بين الناس المثاليات والاخلاق العالية، وتدعو الأمة إلي الوفاق المجتمعي وإلي التصافح والتسامح والتناصح، وإلي المؤاخاة التي أرسي مبادئها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام حتي تعيش الأمة في سلام وأمان وفي رخاء واطمئنان.
التعليقات