هل سألت يوما عن سعر بياناتك الشخصية؟
لا تندهش .. نعم بياناتك لها سعر ولكن حضرتك تتنازلت عنه طوعا، بينما تقبض ثمنها شركات أخرى تعلم قيمة البيانات وتبيعها لشركات أكبر تعرف كيف تستفيد منها؟ بعد أن أصبحت البيانات، في الوقت الراهن بمثابة نفط العصر الرقمي.
فقد بلغ متوسط سعر نقطة البيانات (المعلومة الواحدة) المتعلقة بالحالة الصحية 26 سنتاً(جزءا من الدولار) وهي الأعلى سعراً!، بحسب أسعار 2017 لإحدى شركات ىالبيانات (ستاتيستا(statista ومن المؤكد أن سعرها اليوم ارتفع عن ذلك.
ويختلف سعر نقطة بياناتك بحسب حالتك الاجتماعية حيث يبلغ السعر 12 سنتاً إذا كنت خاطباً أو على وشك الزواج، ونفس السعر إذا كنت تتوقع مولودا جديدا،بينما يهبط السعر إذا كنت قد تزوجت حديثاً أو مطلقا إلى 3 سنتات فقط. لأن كونك خاطبا أو تتوقع مولودا جديدا، يعني أنك زبون جيد لشراء المنتجات، أما اذا كنت متزوجا فإن قرار الشراء غالبا في يد الزوجة!
لذلك باتت البيانات عنصرا مهما لشركات التسويق والإعلانات بوجه خاص. أما المستفيد النهائي من بياناتي وبياناتك وبيانات الآخرين، فهي الشركات الخمس الكبرى عمالقة التكنولوجيا "جوجل - أبل - فيس بوك- أمازون - مايكروسوفت"، الذين جمعوا معا أكثر من 800 مليار دولار من الإيرادات في العام 2018.
لهذا السبب تقوم اليوم، العديد من الشركات المتخصصة، الاتصالات، المطاعم، المستشفيات، الجامعات، المراكز التجارية.. بجمع كميات كبيرة من البيانات عن عملائها وبيعها إلى إلى الشركات العملاقة في تكنولوجيا المعلومات مثل جوجل وفيسبوك، والتي تحلل سلوك العملاء باستخدام هذه البيانات التي تنازلت عنها، مما يمنحها قوة كبيرة في سوق الإعلانات، لتزويد الشركات بالجماهير المستهدفة الأكثر ملاءمة لمنتجاتها وخدماتها.
أما كيف تنازلت عن سعر بياناتك؟، فقد حدث ذلك عندما وقعت حضرتك بكل براءة، على "قائمة الأحكام والشروط" المرفقة ببعض التطبيقات أو المنتجات الرقمية ،التي تستخدمها على الأجهزة الذكية كالهاتف المحمول، والتي غالبا يوافق عليها المستخدم دون قراءة أي بند فيها، وهذه الموافقة تمنح الشركات حق بيع بياناتك مقابل "تسعيرة" محددة مسبقا.
وتختلف نظرة الشركات التي تتجار في البيانات عن نظرتنا نحن المستهلكين الغلابة، فمثلا المعلومات المتعلقة بالتركيبة السكانية أو المهنة لا تكون ذات قيمة للشركات كما قد نتصور، في حين إن المعلومات المتعلقة بتنظيم الأسرة أو الحالات الطبية أو ملكية بعض الأصول تأتي بسعر أعلى بكثير!
فهناك سعر أكبر اذا تعلق الأمر بمعلومات عن أصحاب الدخول الكبيرة، لأن الامر ينتقل إلى مرحلة أعلى في التعامل مع البيانات بشكل احترافي عبر عمليات حسابية ضخمة اعتمادا على توظيف الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال يدفع بعض اللاعبين المحترفين مبالغ طائلة لشركات البيانات للتعرف على نقاط ضعف منافسيهم من خلال تحليل طريقة لعبهم، ومن هؤلاء لاعب التنس الألماني المحترف الكسندر زفرف Alexander Zverev) ) الذي يدقع ما يقارب 100 ألف دولار سنويا لإحدى شركات تحليلات البيانات الخاصة برياضة التنس، والتي تستعين باقتصاديين وإحصائيين ولاعبين سابقين وعلماء رياضيات بجامعات عالمية، لتحليل البيانات وتوظيف الذكاء الاصطناعي لتوضح المكان الذي من المرجح أن يضرب فيه اللاعب الكرة من كل موقع بالملعب. ثم توصي بطرق معينة في اللعب لاستغلال نقاط ضعف الخصم .
وقد قطعت معظم بلدان العالم المتقدمة أشواطا متقدمة في مجال معالجة البيانات التي اصبح لها دور كبير في صناعة التغيير على مستوى المنظمات والدول. فمعظم المنظمات والشركات وباختلاف أحجامها وقطاعاتها تتعامل مع البيانات حيث تتوفر لديها الأنظمة الإدارية الداخلية والأخرى الخاصة بالتعامل مع المستفيدين من خدماتها والعملاء وغيرها من البيانات المتوفرة من خلال الشركاء أو في شبكة الانترنت ومواقع التواصل. وكذلك الأمر بالنسبة للجهات الحكومية .
وتوفير البيانات الضخمة بكميات كبيرة وبجميع حالاتها قد يساهم في تقديم قيمة مضافة أو على العكس، ربما تزيد العبء على المنظمة وتشتت الفريق المعني بالبيانات وإداراتها وحوكمتها وتحليلها. بل الأكثر من ذلك، قد تكون سبب تعثر المنظمة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التحديات المتعلقة بخصوصية البيانات والتكاليف الباهظة المترتبة على تسربها نتيجة لمخاطر عبر الهجمات الإلكترونية.
وهكذا أصبحت معالجة البيانات صناعة كبرى تحقق أرباحا طائلة، اتمنى ان نرتقى- في عالمنا العربي - إلى مستوى التعامل مع هذه الصناعة بحيث نوظف البيانات بشكل سليم في التخطيط لمشروعتنا والاستفادة من ثرواتنا وبخاصة الثروة البشرية التي تعد اليوم أغلى ثروة لو تم استثمارها تعليما وتدريبا ضمن آليات اقتصاد المعرفة.
التعليقات