بحسب تاريخ ميلادي في السبعينيات من القرن الماضي، ومرورا بمرحلة الشباب والعنفوان، وأنا أشاهد وأتعلم - ولازلت - من تجارب رؤساء وقادة خلقوا للرئاسة والقيادة ومنهم قائد النضال الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات "أبو عمار" طيب الله ثراه، فقد رأيت وسمعت ما قد بُثَّ عنه من أخبار وتصريحات ومتابعة وسعي حثيث ودؤوب وجهاد عبر القنوات التلفازية، وما سمعت عنه في الإذاعات في ذلك الوقت والذي لا يزال صداه يتردد ويرن في أذني وفي الآفاق؛ ليخاطب "الجهاز الحوفي" لديَّ ؛ فُيدغدغ ذاكرتين : ذاكرة الشجاعة والنضال والمقاومة والتحدي ونذر النفس؛ لتبقى فلسطين لفلسطين دون مشاركة أو مقاسمة أو تجزئة؛ وذاكرة الخزعبلات والترهات والأيدولوجيات والمتغيرات التي ما كانت لتدوم أو تستمر لو أنها بنيت على ركائز وحقائق ووقائع وخبرات وأبعاد نظرات تعرف مرمى الأهداف وتعي ما هي الغايات... الغايات الحميدة الطيبة الصادقة التي تثبت أصالة الدم العربي والتمسك بالدين واتباع سنة النبي الهادي الأمين.
زايد وعرفات
لقد كان القائد الرئيس ياسر عرفات "أبو عمار" - طيَّب الله ثراه – صاحب قضية وطنية ملحمية نذر لها نفسه وروحه ودمه وجهده وعرقه، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، وسجلها التاريخ والمؤرخون بمداد من الشرف والوطنية، ومما يتوجب ذكره في هذا المقام ، العلاقة الأخوية الوطيدة الصادقة المساندة والمؤيدة له والناصرة لقضيته ، والتي تشكلت بينه – رحمة الله عليه – وبين القائد المؤسس – المرحوم – الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والذي لن ينسى التاريخ مواقفه البطولية الجريئة الشجاعة الحازمة الصادقة.
وهو القائل: "إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"، تلك المقولة التي تعكس موقف الشيخ زايد التضامني مع الدول العربية ضد كل عدوان غاشم أو مستعمر غاصب.
ولقد أثمرت وشكلت تلك القيادات وبتلك الصفات الشامخات التي يمتلكها القائدان: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس ياسر عرفات طيب الله ثراهما، مثل روحين في جسد، فتعاونتا وتعاضدتا وفاوضتا لصد الحراك الاستيطاني والأخطار التي مورست في الأرض الطاهرة المقدسة " القدس"، وعلى تأكيد ضرورة تحقيق السلام الدائم العادل.
وكما كانت مواقف الشيخ زايد – رحمة الله عليه – دائمة ومناصرة للشعب الفلسطيني من خلال ما قدمه من مساعدات أخوية إنسانية مساندة للقضية الفلسطينية، أيضاً كانت لدى الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) – يرحمه الله – مواقف ومآثر تاريخية يشهد عليها من عاصرها ومن عايشها وقرأ عنها وعرفها، وعرف أكثر أن دولة الإمارات العربية المتحدة وبقيادتها الحكيمة محبة لفلسطين وأرضها وشعبها وصون كرامتها وعرضها وشرفها ومثلما يفعل إخواننا الفلسطينيون من ذود عن حياض أمة الإسلام من خلال رمزية القدس خاصة، ووطنهم من البحر للنهر عامة؛ نفعل نحن كذلك في دولتنا لهم بالمثل دون مساس بكرامه أو تمييز وبتسامح وتعايش وبقلوب مفتوحة لهم بكل صدر رحب وبكل احترام وتقدير وعزة ومحبة.
وفي هذا الصدد قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي موجهاً كلامه للجالية الفلسطينية في شهر أغسطس 2020م : " الإمارات ستظل دائماً الحاضنة الأمينة لكم ولأسركم - ومضيفا : أحيي مبادرتكم بتأسيس نادي الصداقة الإماراتي الفلسطيني ، ومؤكداً أن موقف الإمارات ثابت وراسخ في دعمه للموقف العربي الداعي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
زايد وعرفات
وهو تأكيد - بكل تأكيد - للخطوة العالمية الداعية للسلام التي تحققت والتي قام بها - مشكورا - صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، ألا وهي (معاهدة السلام ) وهي المعاهدة السياسية الناجزة التي تصب وتخدم مصالح القضية الفلسطينية والتي سعى إليها الرئيس الراحل ياسر عرفات بكل ما أوتي من قوة وجهد وسعي وهي تخدم أيضاً المحيطين العربي والإسلامي.
ولله الحكمة في مشيئة الأقدار أن يرحل القائدان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس ياسر عرفات (أبوعمار) في نفس السنة وفي نفس الشهر نوفمبر 2004 وما بينهما إلا أيام – بعد أن كانا على قلب واحد ؛ لإنهاء الأزمة الفلسطينية والوصول إلى السلام وبعد كل تلك السنين التي جرت بعد وفاتهما - طيب الله ثراهما - إذ برجل سلام يأتي اسمه محمد بن زايد وبتاريخ 13 أغسطس 2020م ليعلن (معاهدة السلام) وفي زمن جائحة كورونا ودونما توقع أو استشعار ، وهكذا هم القادة الذين يعملون في صمت وبحكمة تتجلى فيها صفة القيادة، وهي الخطوة الإيجابية العالمية التي تكللت وبوركت بالفعل والإقدام والاهتمام، فيا بيت المقدس لك منا سلام من دولتنا الغالية دولة الإمارات العربية المتحدة ونقول ونؤكد نحن دعاة سلم وسلام.
" يا قدس ... لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي ... لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن ... يا قدس ... عيوننا إليك ترحل كل يوم .. تدور في أروقة المعابد ... تعانق الكنائس القديمة ... وتمسح الحزن عن المساجد ... يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء ... (فيروز)".
ويا ثالث المساجد أنتم ونحن أهل ، تجمعنا العروبة ويجمعنا الدين فشكراً دولة الإمارات وقيادتها الحكيمة وشعبها وشكراً فلسطين وشكراً أيها القائد الرئيس ياسر عرفات على ما قدمت وضحيت من أجله وشكراً جزيلا لأختنا سهى عرفات على مواقفها النبيلة تجاه دولة الإمارات... أنتم في القلب والروح والعين.
الكاتب والباحث الإماراتي
عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات
عادل عبدالله حميد
التعليقات