رغم أن هناك مَنْ يرى مبالغة كبيرة في المقولة الشهيرة التي ترى أن تجارة الأدوية والعقاقير الطبية أكثر ربحاً من تجارة المخدرات، إلا أنني أعتقد أنها تعبر جيداً عن حجم الربح الذي تتحصل عليه الشركات العاملة في هذه الصناعة، لذلك قررت أن أدخل إلى عش الدبابير لأحلق بعيداً وأرصد الكثير من القصور في عالمنا الثالث.
وتظهر الأرقام بشكل جلي الحجم الهائل الذي وصلت إليه صناعة الدواء العالمية، والتي تقدر مبيعاتها السنوية بأكثر من 500 مليار دولار على مستوى العالم، في الوقت الذي تعدت فيه قيمتها السهمية آلاف المليارات من الدولارات.
وحقيقة هناك أدلة دامغة وليست بقليلة رأيتها رؤية العين ولَم أتخيل قسوة معالمها الإنسانية، تؤكد أن عالم الأدوية مغلف بكم من روائح تزكم الأنوف، وهو ما سأحاول تسليط الضوء عليه في هذه السطور.
أول السواد في هذا العالم يكمن في الأسلحة البيولوجية، وهي تلك التي تلجأ إليها الدول التي تعتزم الدخول في معترك الحروب، حيث تبدأ الأجهزة الاستخباراتية في رمي المادة المرضية بالمياه أو إهداء معونات مليئة بسموم المرض المتعارف عليه، وهذا لا يحتاج قوة عسكرية، لكن فقط يحتاج إلى قوة عقلية جيدة وقلب ميت لا تعرف الرحمة له طريقاً.
واستخدمت هذه الحرب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في القرن السابع عشر، عندما أرسل البريطانيون أغطية مشبعة بمرض الجديري للهنود الحمر، وهو ما جعل المرض ينتشر كانتشار النار في الهشيم.
ولم تكتف الدول أو الشركات بهذا النوع من الحروب بل لجأت إلى نوع ثانٍ منها فيه تحشد الدول آلاتها الإعلامية من أجل تضخيم المرض والتهويل من خطورته حتى يدخل البشر في مرحلة الفزع والتوتر، وهنا يتوقف العقل عن التفكير السليم، فقط يركز جل تفكيره في كيفية الخلاص من كمين المرض.
وقد حدث هذا مع أمراض مثل إنفلونزا الطيور والخنازير والآيبولا والسارس وغيرها، وهنا تبدأ لعبة تجارة وتصنيع الدواء في الظهور.
وحقيقة لدي اعتقاد كامل بأن شركات الأدوية هي من أول من نسج خيوط القصة وصنعت المرض وفي اللحظة المناسبة أوجدت الدواء المضاد له.
وهنا تبدأ مرحلة الشد والجذب لمافيا الأدوية وحلقة الكماشة لسد أكسجين الحياة عن أي دولة تحاول عرقلة هذه المكاسب الكبيرة.
ثاني السواد وهو التأمين، فما معنى التأمين وما يقدمه للمواطن البسيط سوى استغلال فقره ليلحقه بالتجارب المعملية والسريرية والمواطن مغلوب على أمره فهو كما يقولون "مرغم أخاك لا بطل"، الأمر الذي يجبر المريض الفقير على قبول دور فأر التجارب، حيث يصور له خياله المريض كجسده المتهالك أنه سيشفى، وفي باله ليس بالإمكان أفضل مما كان، وبالتالي أين الخسارة فهو فاقد للأمل وللأهلية وعدم الأمان نتيجة حاجته للشفاء بأي طريقة وبأي أسلوب كان.
ثالث السواد وما أشد سواده، ويكمن في وجود الأدوية المضادة للأمراض المزمنة كالسكر والسرطان والتي تستطيع قهرها في غضون أيّام، وهي أدوية بذل فيها علماء وخبراء وقتاً وجهداً كبيرين لإنجاحها في قهر هذه الأمراض.
لكن دور المافيا هنا يكمن في شراء كل الأبحاث العلمية المثبتة وغير المثبتة، حيث يكون مصيرها النوم في الأدراج المغلقة والتي لا تفتح إلا في وقت تحدده هذه الشركات والذي يرتبط غالياً بوجود مرض مزمن آخر، يهدد مستقبل البشرية، وهو ما حدث في السابق مع فيروس سي والذي أوقف نزيف المصاريف الموجهة له لوجود مرض السرطان.
فأي استغلال هذا للإنسانية أجمع؟! فالمافيا لا يهمها الألم ولا المعاناة ولكن يهمها كيفية وجود سيل نفقات تصب لصالحها!
رابع السواد يكمن في التلقيح (التطعيم) الذي دمر بلدان العالم الثالث، حيث تختار الشركات المصنعة الشعوب التي ترى أنها لن تتعرض للمساءلة حتى ولو قضت عليها، الأمر الذي يسهل عمليات الإبادة الجماعية، ويتيح فرصة لقتل أشخاص من أعراق معينة ومجموعات معينة وبلدان معينة، وإنقاذ مجموعات أخرى، باسم الصحة والسلامة للجميع، بطبيعة الحال.
والتلقيح هو بمثابة فرصة لاختبار منتجات جديدة على أكبر عينة ممكنة من السكان، وتحت ستار الصحة، حيث يتم فرض لقاحات (تحمل المنتجات التي يراد تجربتها) على الناس بحجة حمايتهم من وباء زائف.
ويعتبر لقاح التهاب الكبد الفيروسي ب B أفضل مثال على اختيار السلطات لمنتج معين من أجل تحقيق هذا الهدف.
وتكمن الخطورة في هذا اللقاح أنه جاء نتيجة تعديل وراثي، وهو أكثر خطورة من اللقاح التقليدي بحكم إمكانية زرعه في أي خلايا حتى وإن لم تكن تنتمي إلى شفرته الجينية.
ويسمح التلقيح للشركات بإجراء دراسات وبائية على شعوب معينة وجمع معلومات أساسية عن مقاومة المرض ويتيح أيضاً دراسة تفاعل النظام المناعي لكميات كبيرة من السكان مع مضادات الفيروسات والميكروبات التي يتم حقنها سواء في إطار مكافحة مرض موجود أو مرض مفتعل.
ويشكل التلقيح سلاحاً بيولوجياً، وتعتبر الهندسة الجينية أحدث اختصاص في هذا المجال، وهذا النوع من العلاج عرف طريقاً للنجاح الباهر، كما تحظى الأبحاث المتعلقة به بتمويلات هائلة.
خامس السواد ويكمن في الغش التجاري والصناعي، عبر أدوية بديلة للدواء الأصلي، بفاعلية منخفضة لا تتجاوز 25% وأقل، وتحرص مافيا الأدوية على الترويج لهذه البدائل مع إخفاء الدواء الأصلي فترة من الوقت حتى الانتهاء من بيع البديل، وهو ما يحقق لهم مكاسب رهيبة، فيكفي أن نعرف أن التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العامة في 2015 تشير إلى أن حجم تجارة الأدوية المزيفة عالمياً تقترب من 100 مليار دولار سنوياً.
وحقيقة غدت هذه التجارة أكثر ربحية من تجارة المخدرات وأصبح لعصابات الجريمة المنظمة دور كبير في هذه التجارة غير الشرعية التي تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية، إلى أن الآلاف يموتون سنوياً حول العالم من جراء تناول أدوية مغشوشة، بجانب أضعاف هذا العدد ممن يتعرضون لأضرار صحية خطيرة جراء تناولها، حيث اعتبرت المنظمة الأدوية المزيفة جريمة منظمة.
ويتمثل سادس السواد في الأعراض الجانبية، حيث ترغم شركات أدوية مندوبي المبيعات على ترويج أدوية ذات آثار جانبية خطيرة، لدى الأطباء حتى يكتبونها في وصفاتهم للمرضى، الأمر الذي يتسبب في إصابتهم بأمراض أخرى مصاحبة للمرض الأساسي، وهنا تبدأ لعبه الشركات مرة أخرى في استغلال المرضى أبشع استغلال.
وأخيراً سابع السواد ويتمثل في أدوية تنشيط القدرة الجنسية، وما لها من ثوابت مهلكة للشباب، حيث تعمد هذه الشركات إلى الترويج لهذه الأدوية على أنها المنقذ، فيبدأ الشباب في تداولها حتى يفقدون القدرة الخاصة بعيداً عن وجود هذه الأدوية، ومن ثم لا يمكنهم الاستغناء عنها فيداومون على الاستعانة بها وبغيرها من أسماء لشركات معروفة ومصنعة تهلك وتدمر عقول الشباب، وتلهيه عن ممارسة حياته الطبيعية.
وهناك الكثير من مداخل الشيطان، ولكنني فضلت سرد بعض منها على أمل الخلاص من براثن رباط ثالوث مافيا الأدوية عن بلدان العالم الثالث.
د. غالية صدقي
التعليقات