هناك مثل قديم يقول "الأمر يتطلب قرية لتنشئة طفل واحد".. فكيف لنا أن نستعيد تلك القرية!!
جاء موت جنة صفعة على وجه مجتمع بأكمله، ولكن هل ستكون الأخيرة؟؟؟
بعيدا عن لعبة إلقاء الاتهامات وبعيدا عن مهرجانات الولولة الاجتماعية التي رأيناها الفترة الماضية؛ ما استعرضه هنا هو مجرد تحليل متجرد من أي مشاعر لظاهرة مجتمعية (تكاد تصبح متكررة في وطننا العربي في الآونة الأخيرة) بغرض تحليل أسبابها ومناقشة أنسب الطرق لكي يتخلص مجتمعنا من تلك الأمراض التي لا نريد أن نتركها تتفشى في جسده.
طفلة المنصورة فارقت مجتمع مليئ بالوحشية والقسوة والامبالاه، فقد تم اغتصابها وتعذيبها (وفقا لما نشر وقيل على لسانها) وفقدت على آثر ذلك رحمها وبترت ساقها، ومرت بكم من الألم الجسدي والنفسي لا يتحمله بشر، وهي لم تتعدى خمس سنوات.
جنة حادثة كاشفة عن عوار منظومة مجتمعية فشلت أن تقدم الحد الأدنى من حقوق الحياة الأساسية لمن ينتموا إليها.
انهالت الناس بإطلاق سيل من الهاشتاجات التي تطالب بإعدام خالها ومحاسبة جدتها ومعاقبة والدتها، وبالرغم من إيماني بأهمية كل هذا، إلا أن كل هذا مازال لم يشير إلى الجاني الحقيقي.
فالجاني الحقيقي هو النظام المجتمعي الحالي الذي تلاشت منه أهم قيمة تربط أي مجموعة من الكائنات الحية بعضهم ببعض، وهي قيمة الانتماء.
فإن فشل أبو جنة في القيام بدوره كأب فأين أهله ليراعوا ابنتهم؟
وإن فشل أهل أبوها في القيام بدورهم فأين أهل أمها؟
وأن فشل أهل أبوها وأهل أمها فأين أهل قريتها وجيرانهم من صراخ هذه الطفلة المستمر ومن آلام التعذيب وآلام الأغتصاب وآلام الكي بالنار؟
وإن تعذر كل هؤلاء بعدم علمهم فهو عذرا أقبح بكثير من الذنب ذاته، وإن لم يسمعوا صراخاتها فكيف لم يتمكنوا من رؤيه تلك الصرخات وهي تنطلق من نظرات أعينها مستغيثة كل يوم بكل شخص تراه حولها.
وإن فاتتهم الأسهم التي اطلقتها من أعينها، كيف غفلوا عن منظر جسدها الهزيل الذي ملئته الكدمات والحروق!!!
وإن التمسنا العذر لكل هؤلاء الأفراد لأنهم جميعا مشغولون باللهث في دوامة الحياة اليومية وغير قادرين على التدخل في شؤون الآخرين وليس لديهم القدرة المالية لتحمل أية أعباء أخرى فوق ما اثقل كاهلهم، كيف نلتمس العذر للهيئات الرسمية المعنية للوصول إلى تلك الفئة المستضعفة لحمايتها من تلك الذئاب البشرية المحيطة بهم. وإن التمسنا العذر للهيئات الحكومية لقله الموارد ومحدودية الإمكانيات والبيروقراطية القاتلة، فكيف نلتمس العذر لمؤسسات المجتمع المدني التي أخذت على عاتقها حمايتهم ورعاية شؤونهم. والمفارقة أننا نحتفل في تلك الفترة بمناسبة مرور ثلاثين عاما على اعتماد اتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة والمطبقة بالتبعية في مصر.
جنة نتاج قائمة طويلة من المشاكل المتراكمة في مجتمعنا:
شاب وفتاة يأخذوا قرار الزواج وهم غير مؤهلين لذلك نفسيا ولا اجتماعيا.
زوجين يأخذوا قرار بالإنجاب دون الاستعداد المالي والنفسي.
أب وأم يأخذوا قرار الطلاق دون إعداد خطة لحياة مستقرة تضع الأطفال كأولوية.
منظومة أسرية غير قادرة على تقديم الأحتواء النفسي لأفرادها.
منظومة مجتمعية غير قادرة على حماية المستضعفين فيها.
منظمات مجتمع مدني على أختلافها وتنوعها غير قادرة على تقديم خطة شمولية للتطوير.
منظومة إعلامية غير قادرة على رفع وعي مجتمع وإيصال رسالة واضحة لمختلف شرائحه الاجتماعية.
مستقبل أولادنا في خطر.. نحن نفقد رصيدنا في المستقبل بعدم تحملنا مسؤليتنا تجاههم، يجب أن نعي أن أبناء مصر هم القاطرة التي ستحمل هذا الوطن للمستقبل.
أبناء مصر ليسوا ملك آبائهم وأمهاتهم، فهم ملك هذا الوطن وأهم موارده، فليتحمل المجتمع بأكمله مسؤليته تجاههم.
التعليقات