إن المتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية أوالداخلية منها يحكم على العام الأول للرئيس دونالد ترامب سواء على مستوى الإنجاز أو الإخفاق في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في إدارة بعض الأزمات في منطقة الشرق الاوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وفي علم السياسة القضية تخضع للأرباح والخسائر التي تعود للدولة من خلال سياستها الخارجية.
لقد وعد الرئيس الأمريكي الناخبين قبيل توليه الرئاسة الأمريكية بالعديد من الالتزامات التي سيوفي بها في حال وصوله إلى البيت الأبيض، منها الانسحاب من منظمات ومعاهدات دولية، ومنها نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس (المحتلة) عاصمة لدولة إسرائيل ،إلى جانب إعادة النظر بمعاهدة الهجرة، والعديد من التعهدات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
ورغم أن ترامب كانت وجهته الأولى في جولته لمنطقة الشرق الاوسط إلى المملكة العربية السعودية وهي دولة إسلامية، وهو بذلك يختلف عن سابقيه في إدارة البيت الأبيض، حيث حقق إنجازات مادية من تلك الزيارة إلا أنه اتخذ قرارا بمنع سفر مواطنين سبع دول إسلامية إلى الأراضي الأمريكية، مما أثار حالة من السخط، وعدم الثقة في الإدارة الأمريكية الحالية، وهذا جعل المملكة العربية السعودية الحليف للولايات المتحدة في حالة من الحرج أمام تلك الدول.
بل إن الرئيس الامريكي ترامب أوفى بعوده لناخبيه الأمر الذي جعل البعض يصفه بأنه رئيس صادق أمام ناخبيه، فهو وعدهم بالانسحاب من المعاهدات ويجري تعديلات على بعضها، وبالفعل انسحب من اتفاق باريس للمناخ، والعهد الخاص بالمهاجرين، والانسحاب من منظمة اليونسكو إلى جانب إجراء تعديل على الاتفاق الكوبي وشطب جزء من بنوده، إلى جانب الانتقادات الشديدة التي وجهها للأمم المتحدة بحجة زيادة نفقاتها.
لم يكن هذا فقط ما اتخذه ترامب، بل انه بدأ الترويج لما يعرف بـ "صفقة القرن" التي لم يعلن عن بنودها إلا ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي على غير عادة الإدارات الأمريكية السابقة بالتوقيع على القانون الصادر من الكونجرس الأمريكي الخاص بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس (المحتلة)، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، هذا الأمر الذي أثار حالة من العنف والاحتجاج على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني، الأمر الذي أدى لتوجيه انتقادات واسعة النطاق لإدارة ترامب لما اتخذته من إعلان يخاف القانون الدولي، والمعاهدات المبرمة والمواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن .
وباعتقادي أن هذا الأمر قد أضر بالسياسة الخارجية الأمريكية وأخرجها من دور الدولة الراعية لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية إلى دولة متهمة بالوقوف والانحياز الواضح والصريح لإسرائيل، ولم يكتف الرئيس الأمريكي إلى هذا الحد بل إنه أقدم على ممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية بوقف دعم وتمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بوقف مبلغ وقيمته 65 مليون دولار من موازنة (الأونروا) التي تقدم المساعدات للاجئين الفلسطينيين.
هذه الخطوات في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية أثارت حالة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووضعت أمريكا في حالة من الحرج، حيث شهدت العواصم العربية والأوروبية احتجاجات كبيرة ضد إعلان ترامب، إلى جانب مواقف مساندة للفلسطينيين من قبل الزعماء العرب، ورؤساء الدول الأوروبية الأمر الذى حذى بمنظمات دولية وعربية وإسلامية إلى عقد اجتماعاتها، واتخاذ خطوات من شأنها تأكيد رفض إعلان ترامب والتي منها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
وعلى المستوى الفلسطيني لم يسهم إعلان ترامب سوى تأجيج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المستويين الداخلي الدولي، فقد شهدت المدن الفلسطينية حالة من المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في كافة الميادين ومناطق التماس بين المدن، الأمر الذي أوقع العديد من الضحايا من المدنيين، ما بين قتلى وجرحى، إلى جانب توجه القيادة الفلسطينية لعقد اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني بغياب كلا من حماس والجهاد واتخاذ قرارات كان من أهمها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل.
أما على المستوى الدولي والدبلوماسي، فقد توجه الفلسطينيون إلى منظمات المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، وبدأ الفلسطينيون البحث عن راعٍ جديد لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وبدأ الحديث عن دور قد تلعبه الصين وروسيا، ولكن أعتقد أن ذلك صعب، نظرا لرفض إسرائيل أي تدخل دولي لغير الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها قد لا تتعاطي مع أي ضغوط دولية سوى للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يقفل الباب أمام الفلسطينيين مما يضطرهم للعودة إلى حالة الانتفاضة الشعبية التي تشكل ضغطا على إسرائيل للتراجع عن سياسة التهويد والمصادرة والانتهاكات بحق القانون الدولي .
وإذا ما تطرقنا بشكل موجز وبسيط للسياسة الداخلية للإدارة الأمريكية، نلاحظ أنها لن تحقق أي إنجاز للشعب الأمريكي سوى فيما يتعلق بقضية الضرائب، وأن مظاهرات خرجت على مدار الأيام الماضية بعد مرور عام على وصول الرئيس الأمريكي للبيت الأبيض تندد بسياسة ترامب كونها لم تحقق أي إنجاز على المستوى الداخلي للإدارة الأمريكية.
وهنا يبقى السؤال مطروحا هل سيشهد العام الثاني لولاية ترامب استمرارا لحالة الصراع، كونه رحل قضايا وأزمات المنطقة التي افتعلت في العام الأول، أم أنه سيشهد الإفراج عن صفقة القرن التي يبقى محتواها مجهولًا سوى ما سرب منها عبر وسائل الإعلام، والتي ربما تزيد حالة الصراع والفوضى في المنطقة ...؟؟؟
كاتب هذا المقال- محلل سياسي فلسطيني
التعليقات