في أحد أحياء القاهرة العريقة وهو حي بولاق على ضفة نهر النيل يوجد متحف فريد من نوعه وهو متحف المركبات الملكية، ذلك المتحف الذي يصور لمحات بارزة من تاريخ مصر الحديث. بمجرد أن تقف أمام مبنى ذلك المتحف الذي تتميز واجهته بالجمال المعماري الفريد تدرك أنك أمام مكان يمتلك قيمة تراثية رفيعة، وعنما تدخل من بوابته الرئيسة تشعر أنك سافرت بالزمن في رحلة إلى الماضي. وبالرغم من أن المتحف خضع لأعمال الترميم والتجديد وأُعيد افتتاحه عام 2020 م إلا أنه لم ينل حظًا وافرًا من الاهتمام الإعلامي المستمر والترويج السياحي الذي يستحقه كمَعلَم حضاري بارز.
منذ أن تطورت الفكرة من مصلحة للركائب الملكية إلى أن صار متحفًا حديثًا للمركبات الملكية وقد قُدر لذلك المكان أن يكون واجهة راقية لحفظ التراث الثقافي الخاص بالمركبات الملكية في عصر أسرة محـمد علي والتي تتالف من عربات وخيول وكل ما يتعلق بهما من لوازم. يضم المتحف مجموعة رائعة من العربات الملكية المتنوعة والنادرة على رأسها بالطبع العربة الكبرى "الآلاي الخاص" التي تجذب أنظار زوار المتحف بمنظرها الفريد وزخارفها المبهرة، والتي أُهديت للخديوي إسماعيل من فرنسا وقت افتتاح قناة السويس عام 1869.
يضم المتحف أيضًا بين جنباته مجموعة المتعلقات الخاصة بالخيول وزينتها والأزياء الخاصة بالقائمين على رعايتها في ذلك الزمن. بالإضافة إلى ذلك يضم المتحف في قاعاته مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة للقاهرة الخديوية وعدد من اللوحات الفنية الخاصة بعصر أسرة محـمد على، فضلًا عن تماثيل نصفية متنوعة لعدد من أفراد العلوية. ومن بين المقتنيات التي تزخر بها قاعات المتحف مجموعة من التحف الأثرية والمجوهرات الشخصية الخاصة بالأميرات في أسرة محـمد علي، بالإضافة إلى قطع فريدة من الحلي التي تعود بالتحديد للأميرات والملكات من عهد أسرة الملك فاروق.
وأثناء التجوال في القاعات ينجذب نظرك إلى الصالونات الملكية البديعة ذات الصناعة الدقيقة والمتقَنة. كما تقع عيناك على المكاتب الخشبية الجميلة وملحقاتها من الأثاث المكتبي الفاخر. بالإضافة إلى ذلك توجد في قاعة الاستقبال شاشة كبيرة تعرض بعض الأفلام الوثائقية التي تُلخص تاريخ المتحف ومحتوياته وأهم سمات تلك الحقبة التاريخية. وهناك مكتبة المتحف التي تضم مجموعة من الكتب والوثائق النادرة التي ترجع إلى مختلف العصور المصرية التاريخية، بالإضافة إلى الكتب الأخرى في كل فروع العلوم والفنون والآداب.
في حقيقة الأمر فإن إعادة افتتاح متحف المركبات الملكية تمثل نقلة نوعية في حفظ ذلك النوع من التراث الثقافي. لقد تميز المتحف بسيناريو عرض رائع للغاية، حتى إن أصحاب القدرات الخاصة من ذوي الهمم كان لهم نصيب من الاهتمام عن طريق التجهيزات التي توفر لهم سبل الراحة خلال زيارتهم للمتحف. أعتقد أنه بمزيد من التطوير المستمر القائم على خطط مدروسة بجانب الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة يمكن أن يتحول المتحف إلى مركز ثقافي متكامل يقدم خدماته ليس فقط للزائرين لمشاهدة المقتنيات بل للباحثين والدارسين والأطفال.
بـاحث في التــاريخ والتـراث
التعليقات