بعد أكثر من سنة وثمانية أشهر من عدوان نتنياهو الاجرامي على قطاع غزة، تبدو حركة "حماس" اليوم وكأنها تقف على أنقاض مشروع سياسي وعسكري انهار تحت وطأة الحصار والدمار والرفض الشعبي والدولي. فالمشهد في غزة كارثي بكل المقاييس: أكثر من 53 ألف شهيد، و150 الف جريح معظمهم من المدنيين، ودمار شامل للبنية التحتية، ومأساة إنسانية لا سابق لها في تاريخ الشعب الفلسطيني.وسط هذا المشهد المروع، يبرز سؤال لا يمكن تجاهله: ماذا بقي لدى حماس لتواصل التعنت؟
وهل لا تزال تمتلك أوراق قوة حقيقية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية العدوانية، أم أنها تحولت إلى عبء على القضية الفلسطينية بدل أن تكون رافعة لها؟
أوراق القوة: هل تبقى منها شيء؟
لطالما اعتبرت حماس أن مشروعها المقاوم يمنحها شرعية الوجود. لكن في الحرب الأخيرة، بدا واضحاً أن الكلفة البشرية الهائلة، والانهيار الكامل للبنية المجتمعية في غزة، وتضاؤل الدعم العربي والدولي، كلها عوامل أدت إلى تآكل أوراقها تدريجياً. فشبكة الأنفاق التي كانت توصف بأنها "الدرع الاستراتيجي"، دُمّرت إلى حد كبير، وقيادات الصف الأول إما اغتيلت أو باتت مطاردة، والدعم الشعبي تراجع بشكل غير مسبوق، حتى في أوساط كانت تعتبرها ممثلة "للصمود والمقاومة".
أما على الصعيد الدولي، فقد فقدت حماس ما تبقى من شرعيتها السياسية. فمعظم العواصم الغربية تعتبرها منظمة إرهابية، والدول الإقليمية باتت تتجنب التعامل معها خشية الانجرار إلى صراعات لا طائل منها. وفي ظل هذا العزل السياسي، تجد حماس نفسها محاصرة أكثر من أي وقت مضى.
صوت الناس في غزة: "نريد أن نعيش"
في كل الحروب السابقة، كان الفلسطينيون يتحملون الألم بصبر، على أمل أن تنتهي المعركة بانتصار سياسي أو ميداني يغيّر واقعهم. أما اليوم، فإن الرسالة التي اسمعها كل يوم من الشارع الغزّي واضحة: "كفى!"
الناس يريدون أن يعيشوا بكرامة، أن يطعموا أبناءهم، أن يناموا دون خوف من القصف، وأن يبنوا ما تبقى من حياتهم على أنقاض الحرب. كثيرون يرون أن استمرار حماس في السيطرة على غزة يعني استمرار الحصار، وتأجيل الإعمار، وإطالة أمد المأساة.
لماذا لا تتنحى حماس؟
السؤال الأصعب: لماذا تصر حماس على البقاء، رغم كل هذا الخراب؟
الجواب في جزء منه يكمن في عقلية التنظيمات الأيديولوجية التي ترى نفسها وصية على "المشروع الوطني"، وترفض الاعتراف بالفشل أو التنازل، حتى لو كان الثمن هو دماء الأبرياء ومستقبل الأجيال.
لكن جزءاً آخر من الجواب يتعلق بالحسابات السياسية الداخلية؛ فالتنحي في هذا التوقيت قد يُفهم كهزيمة، وقد يؤدي إلى تفكك التنظيم وفقدان السيطرة، وربما حتى محاسبة داخلية من الشعب أو من خصومها في الساحة الفلسطينية.
الطريق إلى الأمام
إذا كانت حماس فعلاً حريصة على ما تبقى من غزة، وعلى كرامة شعبها، وعلى مستقبل القضية الفلسطينية، فإن الخيار الأكثر شجاعة هو الانسحاب من المشهد السياسي وفتح المجال أمام قيادة وطنية موحدة، تتبنى استراتيجية واقعية تعيد بناء ما دمرته الحرب، وتستعيد ثقة الشعب الفلسطيني والعالم.
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.
وإذا كانت حماس قد ولدت في زمن الاحتلال، فإن بقاءها بعد كل هذا الدمار قد يتحول من فعل "مقاومة" إلى فعل "مكابرة" يدفع ثمنه الأبرياء كل يوم .
التعليقات