قصة لقائي مع جاك شيراك الزعيم الأسطوري الراحل!   

قصة لقائي مع جاك شيراك الزعيم الأسطوري الراحل!   

د. جمال المجايدة

قصة لقائي مع جاك شيراك الزعيم الأسطوري الراحل!    كان رجلاً يشبه نابليون بونابرت ويميل إلى فلسفة أفلاطون! 

كان لقائي مع الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، على هامش قمة حلف الأطلسي، التي عقدت في ريغا عاصمة لاتفيا في ديسمبر 2006، مؤثرا ووديا للغاية فهو الزعيم الفرنسي الذي كان يحظي بنجومية عالمية وشهرة تتخطى الآفاق لبساطته وتواضعه وقدرته على الحسم في الظروف المناسبة، نعم هو زعيم عالمي بلا منازع ترك بصماته في السياسات الداخلية الفرنسية وفي الشرق الأوسط والعالم.

لازلت اذكر كيف صافحني الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك بالعناق وربت على كتفي مرحباً بي في غرفة صغيرة ضمن أروقة مؤتمر الناتو!

لقد رحل عن عالمنا يوم 26 سبتمبر 2019 عن عمر ناهز 86 عاما، لتفقد فرنسا برحيل شيراك واحدا من أبرز وجوهها السياسية الحديثة، حيث امتد مشواره السياسي على مدار نصف قرن من الزمن، وكان شيراك يتمتع بشعبية كبيرة في فرنسا والعالم العربي نظرا لمواقفه الشجاعة حيال قضايا الشرق الأوسط.

لقد كان  شيراك، الذي أحب العرب بصدق وعمل بإخلاص للقضية الفلسطينية، رجلا يشبه نابليون بونابرت ويميل إلى فلسفة أفلاطون.

وكان الزعيم الفرنسي الأسطوري، هو الوحيد الذي بقي في الإليزية ثلاثة فترات رئاسية متتالية منذ رحيل شارل ديغول، شيراك الذي تولى منصب رئيس الوزراء مرتين، أولاهما منذ 28 عاما، قبل أن ينتخب رئيسا للجمهورية لولاية استمرت سبع سنوات يؤمن بان العمل الجاد هو مفتاح النجاح، وهو السياسي البارع علي امتداد نصف قرن من الزمان أسس في عام 1976 حزب (التجمع من أجل الجمهورية)، كما شغل منصب عمدة العاصمة باريس لمدة 18 عاما.

وسبق لشيراك الذي يعد أحد تلامذة الرئيس الأسبق الجنرال شارل ديغول، أن شغل منصب وزير الاقتصاد في أواخر ستينيات القرن العشرين، كما انتخب لمرات متفرقة في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) وفي البرلمان الأوروبي.

ولأنه لا يمكن للمرء أن يقضي أربعين عاما من عمره في بناء إنجازات شخصية قادته إلى أعلى مراتب الهرم السياسي من دون أن تكون له مواهب خاصة، فهو رجل موهوب قريب من الناس والشارع، حتى حين التقيته في قمة حلف الناتو في ريغا حادثني بلطف كبير رغم مشاغله السياسية كرئيس لدولة عظمى له أجندة أعمال مكثفة إلى جانب لقاءاته مع قادة الحلف يقول الفرنسيون إن شيراك "رجل جيد- آن بون غار" وهو فعلا يستحق هذا اللقب الشعبي بجدارة فأينما كان يذهب يبادل الناس التحية ويدخل قلوبهم بسرعة فائقة.

وقد مكنته شهيته التي سارت بحديثها الركبان، وابتسامته المشرقة، ومغامراته السابقة من النساء، والحب الذي يحيط بزوجته وبناته، وعشقه للمصارعين السومو، من حيازة شعبية مستمرة، ومن الألقاب التي كانت تطلق على شيراك "حرباء بونابارت" نسبة إلى الزعيم الحربي لفرنسا في آواخر القرن 18 وبداية القرن 19 نابوليون بونابارت.

القضية الفلسطينية  وحول السلام العربي الإسرائيلي، أكد صديق العرب الراحل جاك شيراك، لي خلال المقابلة: "إنه لابد من توجيه رسالة سلام لا غنى عنها هذا الصراع ومنذ وقت طويل يسمم العلاقات الدولية وله انعكاسات متعددة ويغذي بشكل خاص الإرهاب الذي نعرفه اليوم، لا يوجد حل إلا السلام والسلام يفترض طبعاً إعادة الثقة التي فُقدت بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني".

  ويرى: "أنه في فترات سابقة حصل تقدّم نحو السلام بين السادات وبيجين، وبين رابين وعرفات في فترات معينة عادت الثقة قليلاً، هذه الثقة يجب أن تعود اليوم وإلا لن نستطيع أن نفعل شيئاً، وأعرب عن أمله بشكل خاص أن يُؤخذ الوضع الحالي لفلسطين في الاعتبار لناحية كونه مأساوياً بالنسبة إلى الفلسطينيين، هناك نحو مليون شخص محرومين من الرواتب التي لم تعد تُدفع للموظفين مع كل ما يستتبعه ذلك من نتائج إنسانية واجتماعية، السلطة الفلسطينية تفتقر إلى الوسائل الضرورية لعملها خاصةً لأن إسرائيل لا تدفع لهذه السلطة عائدات الضرائب التي تجنيها لحساب السلطة". 

وقال خلال اللقاء الذي تم بحضور عدد من مستشاريه: "إن هناك ضرورة قصوى لتحرك ينهي الحصار ويحقّق مبادرة نهوض اقتصادي لمواجهة الوضع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون، وأتطلع كثيراً إلى أن يُعمل باقتراح فرنسا عقب اجتماع طارئ للجنة الرباعية للتحضير لعقد مؤتمر دولي يتم خلاله تحديد الضمانات التي تستطيع الأسرة الدولية تقديمها للجانبين، وهذا يفترض أن يكون الطرفان قد استأنفا الحوار وأن يحددا معاً آلية اتفاق يبنهما". 

وكان الزعيم الفرنسي الراحل، يرى أنه لا يوجد مخرج ممكن سوى البحث عن السلام، ويجب من أجل ذلك إعادة بناء الثقة لأن انعدام الثقة يغذي الآراء السلبية وهذا ما هو حاصلٌ اليوم بين إسرائيل والفلسطينيين، وحرص الراحل شيراك خلال اللقاء على القول: "إنني واثق كل الثقة وأحيي بشكل خاص السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وأدعو إلى إيجاد حل يسمح لكل طرف بالمساهمة في جهود السلام والاستقرار، السيد محمود عباس يتفاوض حالياً مع الغالبية البرلمانية الجديدة في فلسطين".    

      

التعليقات