لسنا بصدد حل لغز (من القاتل)، الكاتب عبد الرحيم كمال والمخرج إسلام خيرى قررا تحليل المجتمع من خلال جريمة قتل شاب جاء للقاهرة من الصعيد محملا بكل الطموح لكى يقول للجميع (نحن هنا).
الفنان الشاب الموهوب أحمد غزى يقتل فى الحلقة الأولى، ويظل هو الشخصية المحورية حتى اللقطة الأخيرة، رسم الشخصية شارك فيه ثلاث إطلالات الكاتب والمخرج والممثل.
شخصية غزى تبدو منذ اللحظة الأولى وكأنها جاءت من عالم آخر يقع بين الأرض والسماء.
كل أطياف المجتمع أحلامه وإحباطاته تم تسليط الضوء عليها بمنطق تفرضه طبيعة المكان (قهوة المحطة)، التى هى أشبه بنقطة انطلاق لكل الشخصيات التى نقترب منها بمسافة ما من خلال المقهى.
تبدو زاوية رؤية ضيقة جدا، لا تظهر لنا سوى جزء يسير من الشخصية وجزء من الحقيقة، المسلسل لا يعترف بالمشاهد المحايد، أنت تشارك فى رسم الشخصيات.
تسكين الأدوار للمخرج كسر الحالة النمطية مع الأبطال الرئيسيين أمثال بيومى فؤاد وهالة صدقى ورياض الخولى وانتصار وعلاء مرسى وعلاء عوض، ويظل حضور ضياء عبد الخالق له سحر خاص، فهو من الفنانين الذين لعب الزمن لصالحهم، طور أدواته فصار ينضج على نيران هادئة.
استوقفنى عدد من الممثلين الجدد الذين بدأوا المشوار فى السنوات الأخيرة أمثال احمد ماجد وهانى رياض وحسن أبو الروس وغادة طلعت، الوجه الجديد التى ستخرج من المسلسل محتفظة بلقب أفضل وجه جديد فاتن سعيد.
البداية مع (التترات) لندخل هذا العالم، الذى صممه المخرج بإبداع، ليوقع وثيقة الاتفاق مع المشاهدين، مع صوت وتلحين أحمد منيب وشعر عبد الرحيم منصور لندخل مباشرة داخل المزاج النفسى للشاشة.
أحمد خالد صالح المحقق الذى يحاول أن يجمع الخطوط المتناثرة، يبدو ظاهريا أنه يكشف سر جريمة، بينما هو فى الحقيقة يحيك لنا رؤية بانورامية للمجتمع بكل أطيافه، الظاهر الذى نعلنه يتناقض مع الباطن الذى نحتفظ به، من أكثر الشخصيات التى أبدع كمال فى رسمها، وأجاد أداءها الممثل العتويل رياض الخولى، الذى ينتحل شخصية البيه الثرى من خلال (السيجار)، يبدو وكأنه أقرب لعدة الشغل، يخرج به من المنزل ويعود به فى نهاية الليلة، قبل أن يستخدم عود الثقاب، ليظل السيجار صالحا للاستخدام فى الأيام التالية.
تواجه الدراما منذ بداية رمضان، بهجمة عنيفة، والكل يتهمها بالتردى، رغم أن الحصيلة لو كنا مدققين، سينتهى رمضان ولدينا كحد أدنى عشرة مسلسلات، ستبقى فى الذاكرة، بينما فى الأعوام الماضية لم نكن نحقق نصف العدد.
هذا المسلسل هو آخر مشاركات الكاتب عبد الرحيم كمال فى الدراما، لأنه كتبه وبدأ تصويره قبل أن يتولى رسميا مهام الرقابة، قرر عبد الرحيم السير على منهج أديبنا الكبير نجيب محفوظ فلا يصبح لاعبا فى ميدان هو بحكم منصبه يتولى مسؤولية أدبية عن إصدار الأحكام، ولهذا أوقف محفوظ فى مرحلة توليه الرقابة الكتابة للسينما، كمال حدد فترة زمنية قصيرة للصمت، وبعدها يغادر الكرسى ويعود للملعب.
ما قدمه كمال فى مشواره أدخله بين الحين والآخر فى صراع مع الرقابة، ولهذا ننتظر منه أن يجنب زملاءه التورط فى هذه المعارك الصفرية، وأن يسارع بعودة تطبيق قانون التصنيف العمرى على الأفلام والمسلسلات حتى يسمح بتداولها.
فى مسلسل (قهوة المحطة) كشف عبد الرحيم الكثير من أخطاء وخطايا المجتمع، وانتظر أن يسمح كرقيب بكل ذلك، على شرط أن تظل الرقابة فقط جهة واحدة تابعة لوزارة الثقافة، لو سمح كما تردد بمكتب رقابى آخر يشكله الآن رئيس الوزراء، مهما كان المسمى، ومهما توفر حسن النية، سوف ندفع جميعا الثمن!!.
التعليقات