عزيمة أو هزيمة؛ تتشابهان في الحروف وتختلفان في المصير. تعتركنا الحياة بحلوها ومرها، ونجاحاتها وإخفاقاتها؛ نفرح يوما ونحزن أياما. تتباين الظروف من حولنا سلبا وإيجابا فلا يمكننا تغييرها ولا نستطيع محوها فأقدارنا من حولنا لا نملك منها فكاكا لكن تبقى أفعالنا قيد تصرفنا وتحكمنا. زمام الأمور بين أيدينا نوجهه كيف نشاء مهما ادعينا غير ذلك. من يفشل كان يملك مقومات النجاح لكنه لم يحسن استخدامها ومن لم يحالفه الحظ لم يبذل الجهد الكافي وتحجج به كمبرر لا ناقة له ولا جمل به.
نملك العزيمة ونملك الهزيمة والاختيار لنا إن أردنا وصدقنا. يقول المثل العربي الأصيل:(إذا صدق العزم وضح السبيل). لكن الفرق كل الفرق في وضوح السبيل وتحقق الرؤية. كيف يعاني أحدهم من السمنة المفرطة ويشكو ليل نهار من مشكلات صحية لا حصر لها دون أن يسعى جاهدا في اتخاذ خطوات صارمة نحو صحة بدنية أفضل؟! من يعاني الفقر هل فكر في وسائل تعينه على الحياة أم أنه يشكو قلة الحيلة دون بذل الجهد أو حتى مجرد التفكير في وسائل لزيادة الدخل؟!
من يفشل في دراسته يوما تلو يوم يجب أن يفكر في سبب الفشل وهل هو نابع من ذاته أم من المادة التي يدرسها أم من الشخص الذي يقوم بتدريسها. الشكوى لا تفيد بل يجب الوقوف على أسباب عدم النجاح وبذل الجهد الحقيقي في التغيير لا في التباكي. كثيرا ما كتبنا(لكل مجتهد نصيب) لكن هل حقا نعد أنفسنا من المجتهدين؟ ما مفهوم الاجتهاد والسعي والعزيمة في التغيير؟
من منا لا يحفظ الآية الكريمة (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) لكن من منا رسم خطوات محددة لتغيير نفسه؟! لنفكر فيما يجب علينا تغييره في أنفسنا من أجل حياة أفضل وأسهل وأكثر إشراقا. من يضع مبررات الصفات الوراثية والعوامل الخارجية والبيئة المحيطة نصب عينيه قبل أن يخطو خطو واحدة فهو هالك لا محالة ولا رجاء منه. لا يملك رغبة حقيقية ولا عزيمة صادقة لذلك فمصيره محتوم.
لا يمكننا أن ننكر وجود ظروف قهرية لا قبل لنا بها مثل الأمراض والحروب وغيرها من العوامل الخارجية التي نعجز عن تغييرها. لكن هل فكرنا في تحويل الابتلاء إلى نعمة والمحنة إلى منحة. ربما تحاصرك الهموم لتتعلم الصبر والحكمة. ولعل اشتداد الظلام يمنحك فضيلة تقدير النور فور رؤيته بعد أن كنت تراه كأمر مسلم به لا نعمة عظيمة تستحق الحمد. الهزيمة النفسية هي التي تحيل كل الجهود إلى لا شيء. من يعش صفر اليدين كان هذا اختياره مهما ادعى العكس. من فقد القدرة على النطق فتعلل بعلته وانقطع عن التواصل مع العالم فرط في نعمة استخدام بقية الحواس وقدرته على التعبير كتابة عما يريد.
بين العزيمة والعزيمة اختلاف يبدو بسيطا ظاهريا في استبدال حرف مكان حرف لكنه على أرض الواقع يستلزم جهدا وصبرا وسعيا دؤوبا. نملك جميعا جهاز تحكم خطير في حياتنا فنوجهها كيفما نشاء. نختار الخنوع والاستسلام أو نختار السعي حتى آخر رمق حتى وإن لم نر نتائج فورية فشرف المحاولة يكفينا ولعله يحمل خيرا في الأفق وإن كنا لا نراه. الهزيمة النفسية أسوأ أنواع الهزائم لأنها تعمي البصر والبصيرة فتصيبنا بالإحباط وانعدام المعنى والشغف في الحياة وهي تثبط الهمم وتسحب الطاقة. الغصن اليابس يمكن أن يكون قشة تقصم ظهر البعير ويمكن أن تكون أداة نجاة لغريق يتمسك به فيوصله لبر الأمان ويحميه من أن يجرفه السيل. أوصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقال:(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).
التعليقات