وكالات الأنباء وصحف أفريقيا وآسيا: في بادرةٍ ثقافيةٍ هامة، نظمت أكاديمية المملكة المغربية، بشراكةٍ مع “رابطة كتاب عموم أفريقيا Pan African Writers Association (PAWA)، مائدةً مستديرةً تحت عنوان “إفريقيا تحتفي بـ وول سوينكا في المغرب”، وذلك بمقر الأكاديمية، احتفاءً بالعيد التسعين لميلاد الأديب النيجيري وول سوينكا، أول أفريقي حائز على جائزة نوبل في الأدب ( 1986).
وتسلّم البروفيسور سوينكا، خلال هذه المناسبة، درع أكاديمية المملكة المغربية من طرف عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم للأكاديمية، نظير “تجربته الأدبية التي استمرت لعقود من الزمن، ناصر خلالها الإبداع بالقارة والحرية ونبذ العنصرية ضمن المكون الإفريقي، ما مكنه من نيل جائزة نوبل للآداب قبل حوالي 38 سنة”. كما قدمت الشاعرة مارجريتا آل الميدالية الذهبية لمنظمة كُتَّاب العالم (World Organization of Writers – WOW) إلى الأديب الكبير “لمساهمته في تطوير الأدب العالمي”. كما تسلم درع جمعية مؤلفي نيجيريا (ANA)
الحفل الحاشد حضره أعضاء الأكاديمية “رابطة كتاب عموم أفريقيا بحضور بحضور الأمين العام للرابطة الدكتور والي أوكيديران، (PAWA)، إلى جانب أدباء مغاربة وطلاب جامعات وذلك في القاعة الكبرى للأكاديمية المملكة واحتفى بضيف المملكة شعريا أصوات طلاب وطالبات جامعات مغربية أدّوا بعضا من قصائد وولي سوينكا الخالدة ، كما ذكرت محررة تقرير هسبريس لعبد العزيز إكرام، مشاركة كل من أميمة بنعلي وضحى مستاتي عن جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، ونبيلة طلال ورقية صبري عن جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، في حين أن نرجس بقالي وليناسوا ماهيرينيرنينا مثّلتا الجامعة الدولية للرباط.
بداية جلسة الاحتفاء بوولي سوينكا كانت مع كلمة عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، التي بسط خلالها مظاهر تفوّق سوينكا الأدبي من منطلق كونه “أبرز المساهمين في التفكير حول قضايا الإنسانية والقارة الإفريقية، وباعتباره كذلك قامة أدبية استثنائية تنحدر من جغرافيا استثنائية”.
وأكد الحجمري أنه “من المهم جدا إقامة مثل هذا الحدث الذي يهُم وولي سوينكا والإبداع الأدبي بإفريقيا على العموم، ما يندرج في إطار اهتمامات أكاديمية المملكة ومظاهر فتح المغرب أبوابه أمام مختلف المراجع الإفريقية الأدبية والثقافية، فضلا عن كونه لحظة من لحظات الاعتراف بالمبدعين ودفع مختلف الأجيال إلى التعرف على سوينكا”.
وعاد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة ليشير إلى أن الحائز على نوبل للآداب يظل “باحثا ومستثمرا في الثقافة والأدب، ومدافعا طيلة عقود تجربته عن الحرية ومناهضا للعنصرية والأبارتايد، ويربط إبداعيا بين الماضي والحاضر والمستقبل، إلى جانب الدفاع عن الكتابة الإبداعية والمبدعين على المستوى القاري”، معتبرا الشعر كـ”أهم العناصر في الحياة اليومية، بما يؤكد أهمية الاحتفاء بالمبدعين الأفارقة بمعية جمعية الكتاب الأفارقة”.
من جهته أكد أوجين إيبودي، مدير كرسي الأدب الإفريقي بأكاديمية المملكة، أن “سوينكا رجلٌ استثنائي وكاتب كبير تأكدت قوته الأدبية بعدما حظي بجائزة نوبل للآداب سنة 1986، حيث يستحق كامل الاهتمام والتقدير، وهو ما تقوم به أكاديمية المملكة التي تشجع الإبداع وتعمل على تثمينه كلما تعلق الأمر بمبدعي القارة”.
وتابع إيبودي: “الكاتب الذي نتحدث عنه اليوم فتح الباب أمام الإبداع بالقارة، ومن الطبيعي جدا أن يكون من بيننا اليوم برحاب أكاديمية المملكة، خصوصا إذا ما استحضرنا الجوانب الفكرية التي يلامسها ضمن مؤلفاته وإصداراته الأدبية طيلة عقود من تجربته في هذا المجال، خصوصا عندما اشتغل على تيمات الحرية والسلطة بشكل إبداعي”.
وهو يتحدث بإسهاب عن الجوانب الإبداعية لشخصية سوينكا اعتبر مدير الآداب كرسي الأدب الإفريقي أن “نباهة وولي ظهرت كذلك عندما رحب بمشاركة مبدعين بهذا الحفل من أجل إتاحة الفرصة لهم، إذ إن هذا بحسبه يبقى تشاركا أدبيا بين المبدعين والطلبة ومثالا يخدم الإبداع”، لافتا إلى أن “الإنسانية تقتضي الاعتراف بهذه القامة الإفريقية”، وواصفا حدث اليوم بـ”الاحتفال برجل استثنائي برحاب أكاديمية استثنائية”.
من منطلقه كأستاذ جامعي بالولايات المتحدة الأمريكية أثنى بيل إفندي على “مبادرة أكاديمية المملكة من أجل تنظيم هذا الحدث المهم الذي يحتفي بمسيرة وولي سوينكا في عيد ميلاده التاسع والثمانين”، فحسبه هذا “احتفاء بأحد أبرز أبناء القارة الإفريقية، بالنظر إلى كونه قائدا للأدب القاري وقدوة للمبدعين من الجيل الجديد”.
وأضاف إفندي: “كمهتمين بالشأن الأدبي بالقارة نعتبر أن سوينكا يبقى خزانا ثقافيا وإبداعيا وإنسانيا ومرجعا للمهتمين بالأدب على المستوى القاري؛ فهو مناصر للحقيقة وجدير باتخاذه كقدوة للإبداع”، مشيرا إلى أنه “من الجميل والمهم أن تقام مثل هذه التظاهرات بالمملكة، وهو ما يجب أن يشكر عليه كل من المغرب وأكاديمية المملكة”، ولافتا في الآن ذاته إلى أن “سوينكا يظل كذلك من أبرز أبناء القارة الذين أشادت قيادات سياسية عالمية بإبداعهم وبوضوحهم الأدبي ضمن أعمالهم المتعددة”.
و يأتي هذا الحدث بحضورٍ ثلة من الشخصيات البارزة في الوسط الثقافي والأكاديمي والدبلوماسي، ليعكس السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس تجاه القارة الإفريقية، والتي تهدف إلى تعزيز التكامل الإفريقي وتوطيد أواصر التعاون جنوب-جنوب، انطلاقًا من وحدة المصير والتنوع الثقافي للشعوب الإفريقية.
وتهدف أكاديمية المملكة المغربية، من خلال هذا اللقاء، إلى إبراز الإبداع الأدبي الإفريقي على الصعيد العالمي وتثمين التراث الثقافي الغني للقارة السمراء، من خلال تسليط الضوء على مسيرة أحد أبرز أعلامها الأدبية، وول سوينكا، الذي أثرى الـمشهد الثقافي بأعماله التي تُناقش قضايا مصيرية بأسلوب أدبيّ رفيع يتّسم بالسخرية والدعابة.
وكانت مارجريتا آل، رئيسة منظمة كُتّاب العالم، قد شاركت في حفل الاستقبال الرسمي بالأكاديمية الملكية المغربية بالرباط ، ونقلت خلال الحفل سعادتها إلى الأعضاء: “هذا هو التاريخ الآن. إنه تاريخ منظمة كُتّاب العالم. لقد كرمنا الحائز على جائزة نوبل وول سوينكا. إنه لشرف كبير أن أهنئ الكاتب العبقري بعيد ميلاده التسعين”.
وثمّن وولي سوينكا، الاحتفاء به من قبل أكاديمية المملكة، و“الاهتمام المغربي بمبدعي القارة ويبرز حرص الرباط على التفاعل مع محيطها وعمقها الإفريقييْن، خصوصا في الجانب الثقافي والأدبي”.
وقال سوينكا، في كلمته ضمن فعاليات احتفاء أكاديمية المملكة بعيد ميلاده الذي يحل في منتصف الشهر الجاريإن “هذه المبادرة هي بمثابة فرصة ثانية من أجل تثمين العلاقات بين الرباط وإفريقيا على المستوى الثقافي”، مردفا: “علاقتي بهذا البلد ليست وليدة اليوم بل تعود إلى تواريخ سابقة
وتابع الأديب ذاته: “من الجميل جدا أن أحضر معكم اليوم وأنتم تحتفون بي هنا بالمغرب، ومن الجميل كذلك أن أسمع شهاداتكم، فأنا هنا لست لإعطاء دروس أو الملاحظات، بل أنا لسماع مبدعي المغرب وإفريقيا على العموم، ومن أجل سماع القصائد الشبابية كذلك على لسان الطلبة الحاضرين معنا هنا”.
“في كثير من الأحيان يسألونني عن الهدف من كل تجربتي الأدبية وأنا اليوم على مشارف التسعين من عمري، لكني عادة ما أجيب بأنني عشت تجربة مكنتني من استخدام الأدب والكتابة كوسيلة من أجل التعبير، خصوصا بنيجيريا، حيث شاهدت عددا من المراحل التي عرفت أحداثا ماسّة بالإنسانية على العموم”، يسترسل سوينكا، قبل أن يؤكد أن “تظاهرة اليوم جديرةٌ بأن تتم خلالها إعادة طرح عددٍ من الأسئلة حول علاقة الأدب بالحقوق والإنسانية”.
وقال الأديب النيجيري، متحدثا عن تجربته أمام أعضاء أكاديمية المملكة وجمعية الكتاب الأفارقة: “ما دفعني طيلة السنوات الماضية هو أنني كنت ملهما بعدد من العناصر، بما فيها ثنائية السلطة والحرية التي يعرف المجتمع الإفريقي بشكل عام مجموعة من المظاهر التي تدفع إلى الاهتمام أكثر بها”، موردا أن “الإنسانية تبقى ملتصقة بهذين العنصرين بشكل مباشر، خصوصا ونحن أمام تطورات متسارعة عالميا”.
وأكد الفائز بجائزة نوبل للآداب سنة 1986 أن “العالم اليوم يعرف انتشارا للهيمنة ويشجع عليها، في وقت لا يُمكن السماح بذلك ولا بالتشجيع على الكولونيالية، بل بتحفيز ودعم سبل التعايش والإنسانية، لأنه في نهاية المطاف لا يمكن أن تصنع لنا الطبقية مجتمعا مثاليا ولا يمكنها أن تصنع لنا كذلك التنمية الاجتماعية”.
وبإشارته إلى ما يقع بعدد من الأقطار الإفريقية عاد المتحدث ذاته إلى التأكيد على “ضرورة نبذ الديكتاتورية والاستبداد مهما كانت الدولة أوتوقراطية أو علمانية، فضلا عن توحيد الشعوب عوضا عن تمييزها عن بعضها البعض باعتماد محددات معينة، خصوصا المحدد الديني الذي لا يجب أن نفرق بالاستعانة به بين أفراد المجتمع، ففي النهاية نبقى أناسا”.
وهو يتحدث عن الاستبداد ومخاطر السلطة أكد سوينكا أنه “في وقت سابق كانت نيجيريا تعرف صراعا على السلطة بين فصائل ومنظمات سياسية وأخرى غير نظامية، بما ظل نقيضا للحرية والإنسانية التي دائما ما كنت أطرحها خلال كتاباتي طيلة تجربتي في العقود الخالية”.
وبعبارات غلبت عليها عبارات الفرح والامتنان أمام المئات ممن أثّثوا القاعة الكبرى لمقر أكاديمية المملكة سجل الأيقونة الأدبية النيجيرية أنه “من الفخر أن يتم الاحتفاء بي هنا بالمغرب أمام جموع المبدعين والأدباء بالقارة، ما يساهم في تقوية علاقاتنا الثقافية وينمي قيمنا المشتركة”، وزاد: “وإن كان من المهم أن يبدي المغرب انتباهه إلى مبدعي القارة إلا أننا نتحسر على أن كتاب إفريقيا مازالوا غير مستفيدين من امتيازات وتحفيزات، وهو ما لا يمكن أن نقبل به ونحن ننشد التنمية”، عادّا الحدث “فرصة سانحة للمغرب من أجل تثمين علاقاته الثقافية مع الخارج، ومن المهم أن يكون ذلك لانتصاره للإنسانية”.
يُذكر أن وول سوينكا، المولود في أبيوكوتا بنيجيريا في 13 يوليو 1934، يُعتبر أحد أبرز الكتاب المسرحيين في أفريقيا، وقد درس في نيجيريا وانجلترا، واكتسب خبرةً عمليةً في مجال المسرح من خلال عمله في مسرح رويال كورت في لندن.
عاد سوينكا إلى نيجيريا عام 1960 ليساهم في تطوير المسرح النيجيري، إلى جانب عمله الأكاديمي في جامعات نيجيرية مختلفة. وقد سُجن خلال الحرب الأهلية النيجيرية، ليُوثّق هذه التجربة في روايته “مات الرجل”.
نُشرت مسرحيات سوينكا في أفريقيا وأوروبا وأمريكا، ومن أشهرها “الطريق” و”الأسد والجوهرة”. كما أصدر أربع مجموعات شعرية، ورواية ثانية عام 1973. ويعمل سوينكا حاليًا أستاذًا في الجامعة الأمريكية في أبوظبي، بالإمارات العربية المتحدة.
نُشر طبقا لبروتوكول التعاون الدولي مع "آسيا ان"
التعليقات