أذكر جيدا أن نقطة الخلاف الأساسية مع أمي رحمة الله عليها كانت اعتراضها الدائم على تشابك صداقاتي وتعددها واتهامها لي بأنني كورقة الجوكر التي تحل محل كل الأوراق حتى لا يتوقف اللعب. كنت أرى أنها ميزة خصني الله بها لا أجد غضاضة فيها وتراها هي عيب خطير. كانت دائمة الاعتراض وكنت لا أتوقف عن تكوين الصداقات وتشكيل العلاقات الإنسانية متعددة الأشكال والألوان. لم تقف اللغة أو المستوى الاجتماعي أو حتى السن حائلا بيني وبين مد جسور الود والتفاهم بيني وبين الآخرين. لم أر يوما أن التلون عيبا بل على العكس كنت أعده مهارة ومرونة في التعامل ما دام لا يحط من شأني ولا يدفعني للتنازل عن الثوابت الدينية أو المعايير الأخلاقية.
لم أكن أكترث بما يقدمه لي الآخر في مقابل هذه الصداقة. اعتنقت عطاء بلا حدود ومرونة في التعامل لا تحمل ميزانا ولا أي أداة من أدوات المحاسبة. كان جل همي الاحتفاظ بعلاقة لا تنقطع مع كل من عرفت. لم أفقد صلتي يوما بشخص دخل حياتي ولم أضع اسما في أرشيف بل الكل عندي يتصدر قائمة المقربين فأداوم على السؤال والاهتمام حتى وإن تباطأ الآخر في الوصال. أضحك مع السعيد وأحزن مع الحزين. أتبسط مع البسيط وأخاطب المتعالي بلغته. أصادق من يكبرني سنا ومن يصغرني. كنت أجيد استخلاص أفضل ما في كل شخص فنتشارك مساحات الاتفاق ولا أعبأ بمساحات الاختلاف.
اعترضت أمي واعترضت على اعتراضها. جادلت وقاومت. مرت السنوات وكبرت ولم تعد أمي على قيد الحياة. عركتني الأيام وتغيرت نظرتي للحياة. رأيت الناس من منظور مختلف وأعدت تقييم كل ما مر بي من علاقات إنسانية كنت أحسبها خير لي وليست كذلك. اختفت أسماء من قائمتي للأبد؛ أسماء لم أكن يوما أتخيل أن حبال الود بيننا ستنقطع.
أمسكت ورقة الجوكر بيدي لأول مرة ولم أضعها لملء الفراغات وراقبت ما سيحدث وكانت المفاجأة! لم يكترث البعض وآثروا النقصان على بذل الجهد لإنجاح العلاقة التي ظننتها يوما وطيدة. تم اتهامي بالتقصير. اكتشفت أن ورقة الجوكر لا تصلح دوما لكل العلاقات. لقد كانت أمي على حق! لابد أن يتعاون طرفان على إنجاح الصداقة فمن غير المعقول أن يكون هناك طرف واحد حريص والآخر لا مبالٍ!
إرضاء الجميع غاية لا تدرك وما ظننته يوما سدا للذرائع وعطاء بلا حساب بدعوى تقدير الآخر والرغبة في الاحتفاظ به أثبتت لي الحياة خطأ منهجي. ورقة الجوكر كما تسد النقص وتساعد على استكمال اللعب وتمنع توقفه هى أيضا يمكن استبدالها بأي ورقة أخرى في الكوتشينة. يقول المثل الإنجليزي: (رقصة التانجو يلزمها راقصان).
التعليقات