هدى عز الدين ليست مجرد سرد لغوي مجازي يسوق حراك الكلمات على قاطرات عيار قواعد الشعر الذي يحكم السيطرة على مقدرات الصياغة، بل هي رحلة شعر باللغة الشاعرة للعبور إلى ذائقة التلقي لدينا بأساليب وحيل ماهرة لتنقل أجندة ذاتها الشاعرة إلى أجندات وعي كل قارئ لهذه الكلمات في قصيدة "شهوه القبل "التي نُشرت على جريدة "البينة الجديدة العراقية" معا نقرأ النص، ومعا نتابع المعنى، ذلك الكائن الخالد في كل إبداع جاد تصوغه أيدي الاقتدار المبدعة:
شهوة القُبل شاهقة لا تشبع جوعا كأنها تلتهم رغيفا يتلوه رغيف لا يشبعها إلا قبلة تشبهك أنضج الشبع مجازك الساخن مذ نمت في قصيدتك الأسطورية نبوءة رسمها المطر وعزفها واد دفن شمسه في قلبك ما أصبحت غير عين ماء يحج إليها قلبي متطرفة أسمع خربشاتك خلف جدار الحب تهمس لعشيرتك.... الوهم
تردد افتحي تعويذتي فأنا شفاه لا تقبل غير الورد ٢٠-١٠-٢٠٢٢ نحن أمام نص يقوي ذائقة التلقي ويوهن مقاومتنا للتفاعل مع هذه الصياغة الشعرية التي تدخلنا الى عالم من الأيقونات والرموز التي تسود في مشهد شهوه القبل الذي تجلت تفاصيله بداية من الكلمة الافتتاحية في النص:
"شاهقة" لترتفع بنا إلى آخر كلمات النص؛ حيث مقام" الورد" ذلك المقام الرفيع موضوع الاشتهاء والانتقاء.
"فأنا شفاه لا تقبل غير الورد" .
المشهد موسوم بالورد وسموقه الشاهق اللامحدود، كناية عن كل ما نحِن إليه، وقد لا يتحقق اتصالنا به.
الشاعرة هدى عز الدين مخلصة لعواطف الإنسان وحضارة لغتها العربية.
فشهوة القبل نص يمتلك رؤية متلاحمة، تستنطق الخيال والحس والإرث بالمفهوم الشامل للكلمة.
تمثل الإرث في ذلك الوادي الجليل المهيب الذي يدفن شمسه - عشقا - في قلب المحب، ليكون الفناء فيما هو أبعد من الحس والكواكب والمجرات والغيوب.
وما شمسه المدفونة في قلب المخاطَب سوى هذا التماسك الجمالي الذي تندمج فيه آفاق الدوال، على تباعد حقول معانيها، لكنها في "شهوة القبل" يكون الجمع بين هذه الآفاق ممكناً.
في عين ماء "شهوة القبل" لا عائق يعوق ما يهفو إليه الإنسان من حرية، تتحيز لكل من بمقدوره أن يحنو على اشتهاء كل منا للحصول على مبتغاه من الحاضر، في حضور تقليص المسافات بين شاهقات الممنوعات، وهي لا تضر في شئ، والمتاح/الورد المنشود.
وهنا غير مسموح بتقبل رعونة الخربشة خلف جدار الحب، أو التخوف من المجهول.
لا عائق لدى هذا النص للشاعرة هدى عز الدين في أن تتحايث الأسطورة في النبوءة، أو أن ترسم ريشات المطر ذلك المجاز الساخن مثل الأرغفة الطازجة.
إذا ارتفع الاشتهاء بالمعنى الشعري الوقاد إلى مقام الورد، إلى كل شاهق نبيل ندي جليل، فإن الشعر يجعل المجهول معلوما، والبعيد قريبا، والمجاز أو الوهم حقيقة.
طموح ساد هذا النص"شهوة القبل" للشاعرة المصرية هدى عز الدين، وعلى كل ذائقة تقدر الفن القلق بواقعه الحالم بغد أفضل، أن يهنئ الشاعرة على هذا النص "شهوة القبل".
التعليقات