أيها الضيف المغادر، كن رفيقا بأحوالنا، في حقيبة ترحالك خذ كل الأيام التي أوجعتنا، خذ كل الأحلام التي لم تتحقق، خذ كل صحبة كَذُوب، كل احباطاتنا، خذ ليالي السهر وقرصة القلب وخيبة الظن والدمع السخين … ولا تعد مرة أخرى.
لقد كنت عامًا مليئًا بكل شيء!
تعلمت من الضيف المغادر الكثير والكثير. كان حريصًا أن تصل رسالته حد الإتقان. تعلمت أن إرادتك في الدنيا مرهونة بقبول أقدارك، مهما كنت قوي بما يكفي لن تتجاوز ابتلائك إلا بعد التقبل والتسليم.
أرض الواقع غير حامية، ما يدفع عنك الضر هو معرفتك أنك مستحق لقدَرِك مجازى عن عسره ومرزوق في يسره.
علمني المغادر أنني بخير رغم كل العناء، أن الله هو السند المتين، وأن علاقتي به لا يجب أن تغادر صدري.
كل أيامنا لا تغدو سوى ساعات مكررة، نحن من نغير الأهداف لتتغير النتائج.
علمني هذا الرسول أن الغضب متحكم فيه وأن تلك الدقائق القليلة التي تختار فيها ألا تؤذي تطيل عمرك وتنير وجهك وتهديك فضل السبيل.
لقد أحببت الضيف المغادر بكل أيامه وأفراحه وتحدياته، فقبل أن يغادر كان حريصًا أن يعرفني من أكون وكيف انويت أن أستقبل الصديق المنتظر وعلى أي درب أتطلع وكيف الرجاء ولطف الرفق وكيف اعيد رسم الأشخاص ومسمياتهم على خارطة عمري.
تفصلنا سويعات قليلة إلى العام المقبل، انتظر فيها أقدار كُتب فيها السعادة والاطمئنان.
من اليوم سأحرص على انتظار السعادة وبداخلي اليقين المؤكد أنها آتية، سيكون عامًا مليئًا بالمحبة وفيض الخيرات. سيكون عام الحصاد بعد مواسم الجهد ومشقة الجهاد. سأحرص أن أنتظر الفرج في كل ما سبق أن طلبته من القدير.
نحن حصائد أفكارنا!!
من الآن أنا مخيرة في انتظار النور، مفطورة على البقاء في أرض الواقع الدافئة. كلي لأحبابي أينما كانوا، سيظل قلبي مشغول ببقائهم إلى جواري مطمئنين.
أتعرف يا صديقي ما هو أفضل ما تقدمه لنفسك في عامك القادم؟ أن يظل الجميع إلى جوارك بخير، أن يكون حبك بلا توقف، أن يخرج هواء التدفئة وقت البرد من قلبك يسع دائرتك ودوائر أخرى من حولك، أن تظل ذاكرة تخزين الطيبات صالحة للعمل طوال الوقت، أن تراقب من حولك ليس فضول ومعرفة بل لجوار المحبة، أن تسرف في الحب ثم تسرف ثانية ولا تبالي، أن يظل الخير عمارة قلبك، وأن تبقى صديقًا للطف وفيًا للعطاء كما لم يستطيع أحدًا أبدًا.
"وعلى نياتكم ترزقون"، فلتكن نواياك حاصدة للرزق الوفير. أفضل السعادات لم تأت بعد أنت بحلاوة قلبك تستجلبها!
إن للحب طاقة تبعث الحياة حتى في جَمَاد الأرض، جرب هذا العام استخدامها.
جرب اللين بجوار الحب، جرب الكلمة الحانية، تَحَرّى صدق قلبك قبل لسانك، كن في هذا العام مختلف.
كيف كان حالك فيما مضى وكيف تود أن يكون حال ما هو قادم؟ أتعلم يا صديقي أن الانتماء إلى الله جل وعلا لا يستلزم سوى القلب السليم؟
على ميناء وداع العام الماضي نقف في انتظار الضيف الجميل حاملين خاتم السعادة في أيدينا بوجوه مشرقة وابتسامة لا تغيب. لن يعود الراحل أبدًا لكننا نَعُد قلوب بحجم السماء في انتظار خير يكفي ويفيض.
كلي آمال لأيام مختلفة قصاصات تفك رموز بقيت غامضة لوقت طويل. أريد أن أتنفس هواء يستقر في صدري بالسعة، أن يظل ستر العافية دِّثَارِنا، أن تبقى دعواتنا مستجابة، أن يكون الله دومًا من وراء القصد، وأن يكون العمر على قدر الصحة والأيام والسنون تغلفها المَسَرَّة والبَرَكَة، أن تضيف السنوات لميزان الخير وأن تُحجب عنا الأوجاع أو تأتي محتملة زائر سريع، وأن يبقى أثر الخير في قلوبنا كما في أفعالنا هو الوارث منا.
كل عام وأنتم في نعماء لا تنقطع وخير لا ينضب وقلب بالحب يبقى ويكن مستحق للمزيد من السلام.
التعليقات