من أعظم ما رُزقنا من النعم في الدنيا هما القدرة على التذكر والقدرة على النسيان.
كلما مر بنا قطار العمر وفي نظرة إلى الوراء، عندما تحاول تذكر ما آلامك، من تجاوزك، ما سرقته منك دنيتك، من فقدت، من أطفئك تواجده، من هدم ثوابت راسخة في روحك، من اختلت أمامه قيمك … لقد مر من الوقت الكثير.
يا إلهي كم تحملت النفوس!
كل ساعات الفرج والتلقي، الآمال البعيدة، الغائبون عندما حضروا، المرضى لحظة شفائهم، الحاضرين في قلبك، الأحباب، الأسباب، أصحاب الزمن الجميل، من نطمئن إلى جوارهم، ذكريات لا زالت تجول بداخلنا وهي وقود قلوبنا، نستدعيها لتُثَبِتنا، جميعهم ذكرى تبث فينا الأمل لاكمال الطريق.
إن للذاكرة ممحاة انتقائية تحث على البقاء بجانب الأصلح والائمن والأكثر حبا.
تفشل محاولاتك لاستدعاء الألم لأنك فطرت على الحياة.
كل ما تحتاجه هو بعض الوقت وذاكرة يطلق عليها "ذاكرة الممحاة" تصد عنك تقلبات الدنيا.
تلك الأداة الخفية التي خلقها الرحمن داخل روحك هي ما تمكنك من استقبال شمس الصباح على أنها أمل جديد، هي التنفس النظيف من هواء نقي بعد ليل طويل يعوق حركة صدرك، أمل جديد عندما قبضت على قلبك الظنون، وها هو الهواء العليل يتخلل رئتيك مرة أخرى!
نحتاج دروس في الصبر، أن نحب الصبر ونتعلق به، أن نظن أن الخير في الطريق، أن نؤمن يقينا أن بزوغ الفجر آت لا محالة مادامت هناك حياة.
يموت الإنسان عندما يفقد رصيد الأمل، أما شرف الحياة في الدنيا أو الآخرة لا يناله سوى المتصبرين الملتحفين بيقين الأمل في الله.
أنت تماما حيث يريدك الله؛ رضاك أو سخطتك هو ما يحدد نوعية الحياة التي تحياها.
جودة تعاملك مع أن رزقك في دنيتك مرهون بدوام الدعاء والأمل، هو الرجاء الذي تود أن تحيا بداخله آمن على قلبك من كل ما أوجعك … اخترت التقدم مطمئن فهان الألم، استمسكت بحبل الله ولم يخيب رجائك أبدا.
اعتدت من فترة ليست بعيدة أن أكتب رسائل خاصة جدا إلى الله، أضع فيها أمنياتي بين يديه، اشاركه سبحانه ألمي ورجائي ودعائي لكل من أحب، لا يقرأها أحدا غيره.
رسالات أكتبها على الفيس بوك واتركها على الخاص لله فقط.
يمر العام وتأتي الرسالة لأقرأها ثانية عندما تأتي في ال memory، أتعجب أن الله قد حقق لي كل ما تمنيت بأفضل طريقة للوصول وأن تلك الأمنيات والدعوات والكلمات لاقت عند القدير كل التقدير. قد سمعها ربي وجعلها حقا.
نحن لا نعلم الغيب لكننا نأمَن الغد وقت تمسكنا بأفضل طرق الوصول.
إن الدنيا يا صديقي ليست المكان الذي خُلقت فيه لتعاني، بل الأرض التي نزلت إليها لتتعلم كيف تعيش، كيف تفلت يديك عن الألم، كيف تتمسك بأمل يراود روحك ليل نهار، وكيف تترك كل من تحب بين يدي الله وأنت مطمئن أن ظهرك في أمان.
تخيل يا صديقي أنك تكتب بالقلم الرصاص كل ما يحدث لك خلال يومك، وأنك اليوم قد بلغت ما بلغت من العمر.
لو كان الله تعالى أنزل مع كل مولود ممحاة خاصة به ليمحو بها كل ما لا يحبه أو يتقبله في دنيته، ثم بعد عشرات السنين يفاجئ أن الممحاة اسودت وأصبحت غير قادرة على محو ما يلم بقلبه من ذكريات أليمة.
هنالك كانت ستتوقف حتما المقدرة على الحياة.
عندما قال الله في كتابه : "إن مع العسر يسرا"، أراد منك أن يكون هذا يقينك.
تعيش في قلوبنا معجزة النسيان!!
نحن لا نستطيع تذكر الألم بعد مرور السنوات، لأن الممحاة غلفت الألم بالكثير من اللطف، فأصبحت الذكرى المؤلمة يمكن التعايش معها وبها.
الأصل في الحياة هو الاستمرار بجمال، لذا كان جسدك وقلبك قادر على التجاوز ومجاورة الأحزان.
الأحزان لا تقتل سوى من يتركها تقتله، نحن من لا نقبض على قوتنا الداخلية، نحن من نتخلى عن تلك الأسباب التي تعيننا على إفلات الألم.
الألم شخص مفلس بمرور الوقت لا يجد مكانا داخل الروح المثابرة!!
لا يغير الله قدره إلا بالدعاء، فإذا أردت أن تأمن على من تحب استودعه الخالق الأعظم وتمسك بمناجاته كل يوم، أنت لا تراه لكنك حتما ستشعر بيد العون في دنيتك.
خلف كل الأبواب المغلقة ينتظر الرحمن ليطبطب على القلوب التي تعلمت كيف تطلب العون وتنتظر بصبر وأدب.
التعليقات