جلست بالقرب من نافذة القطار وكان المكيف شديد البرودة اِلتَحَفَت أكتافي بشال أزرق كلون السماء ثم نظرت من النافذة فإذا بالزجاج مُتْرِب يعوق الرؤية. 

إن الرؤية بوضوح أحد مباهج الدنيا لأنها تمكنك من التمتع بالجمال الذي ينتظرك.

رغم ذلك أعرف أشخاص كُثُر لديهم مطلات جميلة في دنيتهم ولا يتوقفون عن الشكوى والأنين.

اللحظة التي حرمت فيها رؤية المناظر الطبيعية على الطريق لم تسبب لي الضيق قدر ما عرّفتني أن خلف كل الأشياء المُعَوِقة هناك جمال يستحق المشاهدة.

كانت المروج أجمل والزراعات نضرة، والبيوت الصغيرة القابعة هناك أكثر دفئا، رأيت السعي من خلف نافذة متربة، لم تتغير الأشياء لكن نظرتي إليها هي ما تغير.

كلنا لدينا تلك النافذة المتربة في بيوتنا، كلنا مكبلين بعدد كبير من المعوقات والأحلام الغير مكتملة، كلنا لدينا أعباء وضغوطات كبيرة وصادمة، وكلنا مختبرين بأنعُمنا وأحلامنا؛ ولكن أغلبنا لم يتعلم أن يستبصر من خلف نافذة متربة.

سيدتي، متى كانت آخر مرة نظرت إلى أعباء بيتك وإزعاج أبنائك على أنها وقود دنيتك؟ هل تتخيلين أن بيتك لو كان أكثر نظامًا لكان أكثر جمالا؟ هل هذا الزوج الذي يسكن حجرات روحك يستحق كل هذا الضجيج الذي تحدثينه من حوله؟

إن ثلاثة أرباع السعادة موجودة بداخلنا، ويبقى الربع الأخير يتأرجح ما بين قدرك واختبار الله لك. 

نحن أشخاص مُتطلبين بشدة، نريد دنيا تفصيل، زجاج لامع نظيف يسهل الرؤية من خلاله.

صديقي مادمت تسكن في دنيانا احمل في يدك فوطة تمسح بها الأتربة والغبار عن رؤيتك القاصرة ومتطلباتك التي لا تنتهي.

لقد أصبح الكثير منا شحيح القلب بخيل العاطفة قصير النَفَس ضنين النفْس. 

هناك إرادة للسعادة، وهي رغبة حقيقية صلبة تجعل رؤيتك للمصاعب بابا للأجر، تمكنك من مليء روحك بأمل أن هذا الوقت الصعب سيعقبه يُسر مؤكد، وأن خلف كل ابتلاء تمر به هناك فرج عظيم في انتظارك.

صديقتي، إن المرأة صانعة الرجال كُفّي عن التذمر واشرعي في البناء. كل يوم يمر في بيتك يمنحك فرصة لإقامة الحياة. كل امرئ بما يحسنه، احسني الود وانفقي المحبة، ولا تنظري لما تبذلين، فإن صقل الماس هو ما يكسبه البريق الأخاذ.

بعض النساء الرجال في حياتهن فصول، لا يعرفن عنه سوى أنه أمشير. 

الزواج يا سيدتي ليس صفقة، ليس عطاء بمقابل، المعاملة بالمثل ليست من الحب في شيء، فالحب ليس له مقابل.

المرأة بخيلة القلب لا يمر الهواء السعيد إلى نوافذ بيتها.

وأتحدث عن المرأة قبل الرجل لأن الله تعالى منحنا أفضلية بأن يسر لنا حمل الأجنة في أرحامنا، ثم وهب لنا الصبر الرحيم لأجل تنشئتهم، وأخيرا منحنا كل القدرة المطلوبة على التعامل بصبر مع كافة تفاصيل دنيتنا المعقدة.

امنحي حبك يا سيدتي بلا شرط أو قيد أو مقابل. لو أصاب أهله فقد ربحت دنيتك، وإن لم يكن في أهله فقد نلت شرف المحاولة ولابد أن خلف كل ما أوجعك يومًا سيُفتح للماء وسَتَحْمِلك أشرعة المودة التي تبذلينها إلى شاطيء أكثر أمانًا.

ابتعدي عن الرجل البخيل والمدلل والإمّعة وزير النساء، ثم تقبلي عطايا الله في من اختاره لك واقيمي بيتك على عطاء لا يميل أو يلين أو ينضب.

لقد نسيت الكثير من الأمهات أن يعلمن بناتهن أن البيوت تقام على الصبر والجلد، وأن عمرانها بيد {"صاحبة البيت"}، وأن الزواج رباط مقدس وليس ضيف ثقيل يأخذ واجبه ويغادر.

لو تعلمن معشر النساء كمْ تُذنبن بتعليم بناتكن الشح والتقتير في العطاء.

الرجل كما عودتيه، حَدْثيه عن لغة القلوب وليس النقود. قسموا بيوتكم بينكم بالجود وقوموا بإرضاع أبنائكم العدل والعطاء والوداد.

هناك زوجة في أحد الأيام ستدعو لكِ أو عليك، وهناك زوج في أحد الأيام سيعمّر بيت أو يهجره.

اتركي خلفك سيدتي بيتًا نوافذه مفتوحة على رغد الصبر وصلابة التواجد وقوة وجمال الحضور. 

في يوم ما ستجني ثمرة صبرك الجميل، القلوب تلين بالمحبة فلا عجب أن نغلف تلك النتوءات البارزة من بيوتنا، أن نجعلها مواضع ارتكاز ونقاط قوة، أن نصبر سويا، وأن يقودنا ذكاء الحب وصبر التغافل.

غضي الطرف سيدتي عن كل طريق يعرقل صفاء بيتك، تغافلي ثم تغافلي لو لزم الأمر فبيتك المفتوح على نافذة نقية قوية هو أول طوبة في بيتك الذي يعد لك في الجنة. 

أحبوا أزواجكم وأبنائكم وتقبلوا اختلافاتهم، فالسعادة سنة مؤكدة أما إعمار البيوت فرض عين على كل رشيد.