في جلسة الأسبوع الماضي مع صديقاتي الحبيبات، كان الحديث دافئ ومريح بحق.
تلك السويعات القليلة التي تقضيها مع أصدقاء اختارهم قلبك هي "الترويح المحبب"، وتعد في نظري من ضمن أسباب الاستمرار في العطاء وتجنب التوقف وسبب رئيسي لمكافحة المصاعب ومجابهة الخذلان.
أثناء استمتاعنا بوقتنا سويًا دار حديثنا عن العمر. لذا فمقال اليوم هو أول مقال أكتبه بناء على اقتراح من صديقتي الحبيبة الكاتبة المتميزة فاطمة العوا وسائر الحبيبات.
عندك كام سنة؟
سؤال ناس كثيرة ممكن تراه سخيف، البعض يراه محرج، والبعض الآخر يراه مغرض.
أنا أحب أن أعلن عن سني، لقد شارفت على عامي الثاني والخمسون، ولم أجد حرجًا في أي يوم أن أعلن عن عمري.
إن عدد سنوات عمرك هي أكثر نعمة موهوبة ومكتسبة يمكنك أن تفخر بها، هي تاريخك المشرِّف، هي سجل حضورك في الحياة، هي التجارب الحلوة والمرة، الأيام الخاوية والممتلئة، هي الخيبات والإقامات، هي عدد سنوات الكد والسعي والحضور الكريم في دنياك ودنيا من حولك.
يرتبط إعلان العمر عند كثير من السيدات والرجال بخطة طموحة يضعها الجميع لإخفاء عمرهم الحقيقي، حتى إني أعرف أشخاص يخفون أعمارهم عن الطبيب المعالج.
لم أحاول يومًا أن انتقد هذا السلوك، لقد تعودت أن أتقبل الجميع بكل ما يحبون ويكرهون.
كل ما أحب أن أفعله، هو أن أُذكرك يا صديقي أن تحسب سنوات العمر بأيام وأشهر وسنوات العطاء، أن تغير عداد العمر لآخر يعمل بمفتاح الخير، أن توقن أن العمر نعمة، وأن تعمل على استثمار تلك النعمة.
هل تتذكر كم شخص وضِع في طريقك فكنت سببًا ليعاود إيمانه بنفسه؟ هل تطمئن بفكرة أنك كنت دائما طول العمر موجود ومتاح بصدق؟ هل ترتاح عندما تتذكر أيام الجبر والصبر والعطاء الغير مشروط؟ هل كانت السنوات الكثيرة السابقة تساهم في صنع حيوات، في اطمئنان القلوب، في مساندة الطيبين أو في صلب أكتاف المتعبين؟
إذا كانت إجابتك بنعم يا صديقي فثق أن كل التجاعيد التي تغزو جسدك اليوم هي اليوم "تجاعيد محببة"، تجاعيد تعلن من خلالها كل صباح ومساء عن وجود إنسان يعيش بداخلك، وتؤكد لك وأنت ترى وجهك في المرآة أن هذا العمر لم يضيع هباءًا وأن الخطوط على جهك رُسِمَت بالمحبة فلا عجب اليوم أنك لازلت تبدو بهذا الجمال.
في قانون الجذب الروحي، يقول العلّامة باولو كويلو: "عندما تريد تحقيق شيء ما، يتآمر الكون كله في مساعدتك على تحقيقه".
لذا إذا أردت أن تفقد سنوات من العمر لتبدو أصغر سِنًا وأكثر شبابًا، فكل ما عليك أن تفعله أن تستدعي إنسانيتك وجمال قلبك، تلك هي مضادات التجاعيد التي لن تكلفك شيء.
ثمة لغة تتخطى بها كل معايير الكون، لغة من لا يعرف الكراهية، لغة دافئة بحق تجعل كل خلايا جسدك صبية في العشرين، إنها يا صديقي "لغة الحب".
كلنا نَحِّن لذكرياتنا لكن الرضا الذي تعيشه بكل جوارحك هو السفينة الوحيدة الآمنة، هو المجداف الذي يرفض أن يعود بك لحياة سابقة مهما كان حلوها، وهو الفنار الذي يلمع أمام عينيك ويرشدك كل يوم إلى طريق جديد تحب أن تسبر أغواره وتتهيأ من خلاله إلى سنوات أكثر سعادة وعمر أكثر دفيء وامتلاء.
إن الحب هو الشعور الوحيد الذي نزاوله دون أن نعرف سببه، الحب هو القرار الذي يحييك اليوم دون الحسرة على الماضي أو الخوف من المستقبل. الحب هو الكائن الجميل على الأرض القادر على معافاة الجميع. الحب هو كل ما نفعله من أجل أن يبقى الحب ومن أجل أن تطوى السنوات شهيدة وشاهدة على حياة خالية من التجاعيد وسنوات تقضيها وأنت تنظر إلى وجهك فتحترمه وتقدره.
لو انتابك شعور بعدم الرضا فهذا هو إنذار الله لك بأن الأوان قد آن لتتغير، فالرضا هو جلسة التجميل الأسبوعية التي تنشط خلايا روحك وتجعل الطفل الذي يعيش بداخلك حي يرزق.
من اليوم يا صديقي أنظر لوجهك نظرة الممتن، نظرة المفتخر. تجاهل عدد سنوات عمرك لكن أهتم في أي مكان بَذَلَتها، وأين ومع من تود أن تنفق ما بقي منها.
من الإنصاف أن تسمي الأشياء بمسمياتها، لذلك فمن الآن عندما تسئل عن عمرك تذكر عدد الأشخاص الذين أحببتهم وأحبوك فهذا هو عمرك الحقيقي الذي لن تخجل أبدًا من ذكره.
التعليقات