من المسلسلات الجريئة التي تم عرضها في أحد الرمضانات السابقة – وتحديدا في رمضان 2002 (1423 هجريا) - مسلسل "فارس بلا جواد" للفنان محمد صبحي.
في هذا العام انتهى شهر رمضان المبارك، وانتهت معه معظم مسلسلات التلفزيون المصري التي أتخمت المشاهدين بمئات الحلقات التي كان البعض يلهث ـ لهاثا تليفزيونيا ـ وراءها، صباحا ومساء ـ قبل الإفطار وبعده ـ لمتابعتها على القنوات المحلية والفضائية المختلفة. وكانت المحصلة النهائية لهذا اللهاث فوز مسلسل "قاسم أمين" بالاحترام والتقدير، وفوز مسلسل "فارس بلا جواد" بعلامة تعجب! نظرا للضجة الإعلامية الكبرى في إسرائيل وأمريكا التي أثيرت حوله، لأنه تعرَّض ـ في بعض حلقاته ـ إلى موضوع شائك وخطير، لم يجرؤ مسلسل تلفزيوني من قبل على الخوض فيه، هو موضوع "برتوكولات حكماء صهيون".
وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذله الفنان محمد صبحي في هذا المسلسل وقيامه بشخصيات عدة، فإن هذا الدور لم يقنع المشاهد المصري، من الناحية الفنية، والبعض تذكر دوره في مسرحية "الجوكر" التي ارتدى فيها أكثر من قناع. بل إن البعض كان يشكك في الدور الوطني الذي أداه (حافظ) الذي يلعب صبحي شخصيته، وأنه لم يكن وطنيا بالطريقة التي أظهرها المسلسل.
غير أنني أستطيع أن أقول إن مسلسل "فارس بلا جواد" نبَّه الشارع المصري وقتها، وخاصة الأجيال الشابة، إلى خطورة البرتوكولات الصهيونية، وأشار البعض أن هذا وحده يكفي.
من هنا بدأت تظهر في الأسواق المصرية طبعات جديدة لـ "برتوكولات حكماء صهيون". أوصاني صديق لي ـ لا يقرأ كثيرا ـ أن أبحث له عن كتاب البرتوكولات الذي أشار إليه مسلسل محمد صبحي، فقلت له إنني أمتلك نسخة قديمة ترجمها شوقي عبد الناصر، ونسخة أخرى ترجمها عباس محمود العقاد، وشاهدت في الرياض (عندما كنت أعمل هناك) ترجمة أخرى للأديب السعودي أحمد عبد الغفور عطار. فقال لي إنه يريد نسخة له يقرأها ويحتفظ بها في بيته ليقرأها أولاده.
ذهبت لأحد بائعي الصحف اليومية والمجلات الذين أتعامل معهم في محطة الرمل، ظنا مني أنني لن أجد الكتاب بسهولة، وأن الرجل سيخدمني لأني زبون عنده. وإذا بي أجد الكتاب معروضا وبكميات كبيرة أمام الناس جميعا. بل إن هناك أكثر من طبعة، وأكثر من ناشر يعرض الكتاب. بل إن هناك تفاوتا في الأسعار بين كل طبعة وأخرى، فسألت بائع الكتب عن السر في هذا، فقال لي إنه منذ عرض مسلسل محمد صبحي والطلب لا ينتهي على شراء كتاب البرتوكولات.
ليس هذا فحسب، ولكن بعض المساجد قامت بتوزيع هذا الكتاب على جموع المصلين عقب صلاة عيد الفطر المبارك، بعضها بالمجان، والبعض الآخر بأسعار رمزية. وبالفعل وجدت مئات المصلين ـ معظمهم من الشباب ـ يحملون الكتاب في أيديهم، والبعض بدأ التصفح وهو في طريقه إلى المنزل، والبعض أخذ أكثر من نسخة ليهديها ـ مع كعك العيد ـ إلى جيرانه أو أقاربه.
يقول الدكتور أوسكار ليفي في افتتاحية إحدى الطبعات:
"نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه، ومحركي الفتن فيه وجلاديه".
ثم هناك في طبعة أخرى تنويه للقارئ جاء فيه:
"أيها القارئ: احرص على هذه النسخة، لأن اليهود كانوا يحاربون هذا الكتاب كلما ظهر في أي مكان، أو بأي لغة، ويضحون بكل الأثمان لجمع نسخه وإحراقها، حتى لا يطلع العالم على مؤامراتهم الجهنمية، التي رسموها هنا ضده، وهي مفضوحة في هذا الكتاب".
وفي نهاية تصدير الطبعة الإنجليزية الخامسة للبريطان ـ لندن ـ أغسطس 1921 جاء: "أيها القارئ: إن نشر هذا الكتاب ليلقي عليك مسئولية كبيرة".
هذا هو الأثر الذي تركه مسلسل "فارس بلا جواد"، فإذا كان للبعض اعتراض عليه كقيمة فنية، فإن الأثر الذي تركه يعد ـ من وجهة نظري ـ أهم بكثير من القيمة الفنية التي قد يُختلف عليها.
لقد رفع "الفارس" درجة الوعي وخاصة لدى شبابنا، بخطورة البرتوكولات، ويكفي محمد صبحي فخرا أن يحدث هذا، وأن يستمر لأجيال وأجيال.
التعليقات