لم تسْعَ يومًا إلى منصب، ولم تبحث أبدًا عن لقب، المناصب هي التي سعت، والألقاب كانت تلاحقها، صار اسمها الخماسى (سميحة أيوب سيدة المسرح العربى) بتوقيع من الرئيس السورى السابق حافظ الأسد، ولا تزال سيدة المسرح في عز وهجها، سنوات عمرها التسعون تزيدها حماسًا وألقًا وشبابًا.
هل أُنشط ذاكرتكم وأقول لكم إن الموسيقار محمد عبدالوهاب لم يترك ريشة العود، حتى وهو في التسعين، وآخر ألحانه (أسألك الرحيل) لنجاة تفيض بروح الموسيقى الشبابية. صلاح طاهر، الفنان التشكيلى الكبير، لم يلقِ أبدًا بالفرشاة، حتى تجاوز الخامسة والتسعين. سميحة أيوب لا تزال تتمتع بكامل لياقتها الجسدية والذهنية داخل الاستديو، تؤدى برشاقة وحضور لافت أدوارها، وهكذا استحقت عن جدارة أن تصبح مادة تُدرس في المنهج الدراسى لطلبة الصف السادس الابتدائى.
هل الأحلام مثل الثمار تنضج على الأشجار وإذا فات وقت قطافها، تسقط على الأرض، وتسحقها الأقدام، أم أن هناك أحلامًا تنمو وتتغير لتواكب الزمن؟. قرأت، قبل نحو عامين، عن إيطالى يفصله عن حاجز المائة أربعة أعوام، حقق حلمه القديم، وحصل على شهادة جامعية من قسم الفلسفة ليعيش أحلى سنوات عمره.
مؤكد أنه كان يقرأ طوال سنوات الدراسة. هذا السؤال يُطل في العيون قبل أن تنطق به الشفاه، هل الأمر يستحق كل تلك المعاناة.. قراءة وكتابة ومذاكرة وحفظ وتوتر وامتحانات؟. سميحة أيوب مع كل عمل فنى جديد تصبح هي هذا الطالب المجتهد.
المبدع يظل حتى اللحظة الأخيرة يملأ الدنيا حضورًا، لا يشغله أبدًا تاريخ الميلاد في جواز السفر، تظل تلك مجرد أرقام نتعامل معها فقط عند تجديد وثيقة السفر، كثيرًا ما كنت أشاهد في الشهور الأخيرة سميحة أيوب وهى تلبى الدعوة وتحضر عروضًا مسرحية يقدمها أحفادها، ولا تكتفى أبدًا بمجرد التهنئة المحايدة، عندما تجد ملاحظات على العرض المسرحى تبدأ في سردها ومناقشة صُناع العرض، ولا تتعالى أبدًا على آرائهم، حتى لو تعارضت مع قناعاتها.
الفنان في علاقته بالزمن تتعدد سبل مواجهته، هناك مَن يطور ويُحدث أدواته يوميًّا بالمتابعة والمشاهدة، وهناك مَن يتحول إلى ناقم على الزمن الحالى، ولا يرى الجمال إلا في سنوات الماضى الذي كان فيها نجمًا متوجًا.
هكذا مثلًا كان المطرب القديم صالح عبدالحى، الذي يتذكر له بعض القراء أغنية واحدة، سجلها له التليفزيون (المصرى)، الذي كان يسمى وقتها في مطلع الستينيات (العربى)، ذهب إلى الاستديو على كرسى متحرك، وغنى: (ليه يا بنفسج بتبهج/ وانت زهر حزين؟!)، تأليف بيرم التونسى، وتلحين رياض السنباطى، وحتى الآن لا أدرى لماذا نستكثر على البنفسج الحزين أن يبتهج، ولو مرة واحدة في العمر؟.
كان صالح عبدالحى أحد أساتذة محمد عبدالوهاب، وعندما سألوه عن المطربين الذين كانوا في ذلك الزمن يطلقون عليهم شبابًا مثل عبدالحليم ونجاة وصباح وفايزة؟، جاءت إجابته: (لا ينافسون بأصواتهم سوى أصوات الصراصير).
سميحة أيوب لا تتعالى على الأجيال الجديدة، حتى لو اختلف الأسلوب، ولم تتوقف عن التعلم، ولم تُضبط يومًا وهى تلقى فقط بالورود على الماضى الجميل، بينما تلقى على وجه الحاضر القبيح (ماء النار)، سميحة أيوب تدرك أن الحاضر مثل الماضى به جمال، كما أن به قبحًا، دور الفنان الحقيقى هو مواجهة القبح بالجمال. (سميحة أيوب جوة المنهج)، (سميحة أيوب نورتى المنهج)، (سميحة أيوب أنتِ المنهج)!!.
التعليقات