لا أذكر فيما أذكر أن سنوات العمر كانت يسيرة، لم تكن كذلك أبدًا. كانت الكثير من الأبواب مغلقة والولوج عسير والصبر طويل والمنال كان أو لا يزال بعيدًا. أو ليس تلك حياة كل منا.
إنها يا صديقي كذلك بلا أدنى شك!
لا أذكر كغيري أني عشت سنوات سهلة. أتعرف يا صديقي ما كان أشق عليّ من تلك السنوات الصعبة؟ إنها استمرار دوران المعارك في رأسي وقلبي بلا توقف.
إن أفضل ما تعلمته مجبرة أن أجعل المعارك تدور من حولي وليس بداخلي، أن أترك مسافة صغيرة بيني وبين كل ما يكدرني، أن أتعلم ألا استجلب الأحزان - فهي تأتي من تلقاء نفسها -، أن أتذكر كل يوم نعمة من فضل الله عليّ وأن أواري ما افتقد واحتاج، ومن ثَم أتعامل مع معضلاتِ بترتيب الأهمية وليس بحجم احتياجي أن ترحل.
تعلمت كلمتان كان لهما أفضل التأثير في مواجهة المتاعب.. "انشغل بك"!
فكل الأعباء التي تجابهها داخل يومك هي أجمل رزقك.
لو فَرَّغت سنوات عمرك كلها لحل مشكلات أحبابك لن يكفيك عمر على عمرك، ليس لأنك غير قادر ولا لأنك مقصر أبدا والله ...
نحن فقط نستعجل الخير لأحبابنا..
نتناسى أن رحلة العمر البهية بها من المنغصات كما تحوي من سعادات وأن قدرتك على تحويل اتجاه قبلة السعادة نحوك يتوقف على قدرتك على تطوير ذاتك والتغافل عن كل ما يؤرق سعادتك.
لو سألت أحدهم ما لون السماء سيجيب إنها حتمًا زرقاء، فهل حقُا هي كذلك؟
في كثير من الأحيان عندما ننظر للسماء لا نرى سوى الزُرْقا رغم أنها كثيرًا ما تكون متربة أو رمادية، أو غائمة منذرة برياح أو شتاء.
رغم ذلك كلنا نرى السماء زرقاء، فهو اللون الذي يختزنه عقلنا.
هذا بالضبط ما أتحدث عنه أن تُغَلِّب اللون الأزرق على عقلك، أن تتجاهل قدر المستطاع تغيير الألوان وأن تتعامل بمبدأ أن السماء دومًا زرقاء كما أحب أن أراها.
إن للعقل قدرة مذهلة على التكيف على كافة الصعوبات، لولا أننا بأيدينا نتجول داخل أوجاعنا ونُصِّر على تقليب أحزاننا ظنًا منا أن هذا يخففها.
فن تجاهل المشكلات العويصة هو بداية خروجك منها، بداية للتكيف على وضع فواصل بينك وبين ما يؤرقك، بداية لفصل جديد من عمرك يهاجر عن عقلك التفكير السلبي وتزورك الحكمة والصبر والتؤدة.
ستندهش بشدة وقت أن تضع تلك الفواصل أنك قادر على مزاولة الحياة والتمتع بالكثير من دفء لحظاتها رغم أن لا شيء قد تغير سوى أنك توقفت عن العبث بأحزانك.
اعتني بأعماقك جيدا ولا تعلق سعادتك بحال؛ فأفضل السعادات لم تأت بعد!
ستظل هنالك زهور وخضار وريح باردة لطيفة، مازال هناك ضحكات للصغار في كل مكان، لا تزال البذور تنبت والطيور تغرد والشتاء يهطل والبرودة تأتي وتذهب وكوب الشاي يُعَدِل المزاج ويدفيء.
لا يزال على الأرض أحباب يتعلقون بمودتنا، لا تزال الشمس تشرق وتغرب والأيام تأتي والأحوال تتغير ولا زالنا بالفعل نصحو على أمل بيوم أفضل.
أن تحلم بغدٍ أفضل هو ذاك السحاب الأبيض الذي يجمل سماواتك، هو التغيير الوحيد الذي يليق بك، المسافة الآمنة بينك وبين مشكلاتك والوجه المشرق لروحك والتي ساهمت دون أن تدري في طمسها وخذلانها.
اضطررت من عدة أيام لغلق منزلي لمدة خمسة أيام وتفرقت الأسرة في بيوت الأحباب، رغم أن هذا وضع مؤقت لكنه أظهر لي كيف أننا نعتاد النعم.
في كل يوم تدير فيه مفتاحك لتدخل بيتك كن على يقين أنك مُنَعَم، أن في بيتك تجري حياة وأن دورك ليس التمرغ في مشكلاتك بقدر الاطمئنان أنك بخير رغم كل ما تمر به.
في كل ساعة ينفتح عليك الباب لترى أحد أفراد أسرتك يدخل عليك حاملا هموم يومه كن من اللطف أن تفرغ عنه شحناته السلبية وأن تسحبه داخل دائرة من المودة والرضا والسند.
بيوتنا سكن لنا ونحن أجمل السُكنى لمن نحب وعلى هذا يأتي رزقنا وبه تدوم أنفاس نجاتنا.
لن يهبط عليك أحدًا لينير عتمة قلبك، أنت من يتوجب عليك أن تفعل!
أمضي إلى الله بانكسراتك، ادعوه يلبي ندائك، ما طرق أحد باب الله إلا وعاد مجبورا مسقطا كل يوم قطعة من خواء روحه إلى أن يغدو ممتليء بقوة وثبات يكفيه حتى يحين لقاءه الثاني ودعائه التالي.
حتى تلك الصعوبات التي اضطررت أن تتعامل معها طيلة سنوات عمرك تصير بفعل حبل المودة هذا طريقك المأمون للتواصل مع القدير … حاجة الناس عندك قد تكون قادرًا على تلبيتها، أما حاجتك أنت فعند الله جل وعلا.
جبر الله قلوبكم، واسكنكم حيث تمنيتم.
وأخيرا فمن أفضل ما تقدمه لنفسك ومَن حولك أن تعيش بنفس الوجه الذي تبدو عليه، ألا تتغير ولا تستسلم فبعض الأيادي متعلقة بعضدك، وأن تصر ألا تتوقف كثيرا داخل أحزانك وقبل أن ترحل اجتهد أن تكون أفضل من مَرّ من خلالها.
التعليقات