بغض النظر عن الاستخدام السياسى لمجزرة جنين من قبل نيتانياهو سواء للتغطية على المظاهرات المناوئة لمساعيه المثيرة للجدل لتعديل النظام القضائى، أو ردا على التقارب الامريكى الإيرانى، فإن المحصلة واحدة وهى استمرار سياسة الاحتلال فى تدمير الوجود الفلسطينى وقتل أى فرصة لحل الدولتين، وفشل الاحتلال الصهيونى فى وقف ارادة الشعب الفلسطينى وحقه فى التحرر الوطنى، وايضا فشل إسرائيل فى تحقيق الأمن، فقد نجح معظم المسلحين فى الخروج من مخيم جنين مع اجتياح جيش الاحتلال له، والذى أسفر عن استشهاد وإصابة المئات من أبناء الشعب الفلسطينى الأعزل، وبالتالى لم تتحقق الأهداف المعلنة للاجتياح وهو القضاء على المقاتلين الفلسطينيين بجنين، بل على العكس تم دهس وإصابة عشرة إسرائيليين ردا على الاقتحام، وهكذا تستمر دائرة العنف التى تهدد المنطقة بأكملها وتقوض مساعى تحقيق السلام وهو ما حذرت منه مصر مرارا.
إن جريمة الحرب الجديدة التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلى وما صاحبها من نزوح آلاف الفلسطينيين من منازلهم للمرة الثانية تعيد ذكرى النكبة، وترسخ فى أذهان الاجيال الجديدة جرائم الاحتلال البشعة، وتولد منهم مقاومين جددا بما ينذر بنشوب انتفاضة ثالثة خاصة أن جنين تعتبر رمزا للقضية الفلسطينية، ففى عام 2002، حين اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلى مخيم اللاجئين بجنين برز المخيم كمعقل لقيادة الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
إن ممارسات إسرائيل الإجرامية واستمرار اغتصاب الأراضى الفلسطينية وبناء المستوطنات الصهيونية ومحاولات تهويد القدس، يقتل أى فرصة لتحقيق السلام ولن تحقق الأمن لإسرائيل باعتراف المراقبين الدوليين، فالعديد من (الذين يقاومون الإسرائيليين فى جنين هم من الشباب، الذين لم يشهدوا فى حياتهم محاولة سلام قابلة للتطبيق، مثل اتفاقيات أوسلو فى حقبة التسعينيات) وفقا للكاتب جيمس روثويل، مراسل الشرق الأوسط بصحيفة التليغراف البريطانية.
بل إن هذا الاجتياح يعبر عن جنون الاحتلال وتخبطه و(يسلط الضوء فقط على عقود من صنع السياسات المدمرة وقصر النظر، والتى ساهم فيها نتنياهو أكثر من غيره) على حد وصف الكاتب سيمون تيسدال، محرر الشئون الخارجية السابق فى الجارديان، الذى أكد أنه كما فى 2002 (ستخلق معركة جنين المزيد من الشهداء ..وستترك إسرائيل أقل، وليس أكثر أمنا). إن الأمن الإسرائيلى لن يتحقق مطلقًا إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
اللافت للنظر فى هذه الجريمة الجديدة هو الصمت الدولى المريب، فالإدانات وحدها لا تكفى إزاء حجم الجرائم التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى، أما تعبير الأمين العام للأمم المتحدة عن (قلقه) ومطالبته بضرورة الاحترام الكامل للقانون الدولى الإنسانى، فيعتبر استهتارا متكررا وتبسيطا مخلا للوضع وكأن الأمر كارثة طبيعية وليس احتلالا صدرت بشأنه قرارات دولية عن المنظمة الدولية، كان الأجدر بها أن يطالب أمينها العام بتنفيذها فضلا عن تنفيذ القرارات ذات الصلة بالحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ومنح دولة فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.
وكان الأجدر بالقوى الدولية خاصة الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة أن تكف عن سياسة المعايير المزدوجة فى معالجة قضايا الاحتلال، ففى الوقت الذى اكتفى فيه مفوض الاتحاد الأوروبى لإدارة الأزمات والمساعدات الإنسانية جانيز لينارتشيتش، بالحديث عن خسائر مأساوية فى أرواح المدنيين والأطفال بجنين، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية الأساسية، نجد أنه جرى افتتاح مكتب دولى للتحقيق فى الغزو الروسى لأوكرانيا فى لاهاى، الذى يعتبر خطوة أولى لإنشاء محكمة لمحاكمة القادة الروس، كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، فى مارس الماضى، مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسى بوتين؛ بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال.
بينما لم يحدث أى شىء مماثل تجاه جرائم قادة اسرائيل تجاه الشعب الفلسطينى منذ النكبة عام 1948 وحتى اجتياح جنين. ولا شك أن العجز والصمت الدولى يشجع حكومة الاحتلال على استمرار ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطينى، لذا لابد من تحرك دولى حقيقى لتنفيذ القرارات الأممية وإسراع الدول العربية بتقديم مرافعات أمام محكمة العدل الدولية لطلب فتوى قانونية حول تشخيص ماهية الاحتلال.
قبل الموعد النهائى لاستلام المرافعات المكتوبة (25 يوليو المقبل) وحث المحكمة الجنائية الدولية على اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الانتهاكات الاسرائيلية. ولكن يجب أن يسبق كل ذلك تحقيق وحدة الصف الفلسطينى.
التعليقات