يقول الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه "نظام التفاهة": "إن التفاهة قد بسطت سلطانها على كافة أرجاء العالم...
فالتافهون قد أمسكوا بمفاصل السلطة - على حد قول آلان دونو - ووضعوا أيديهم على مواقع القرار، وصار لهم القول الفصل والكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالخاص والعام.
دونو يدق ناقوس الخطر للعواقب الوخيمة المترتبة عن هذه السيطرة المحكمة للتافهين في كل المواقع...
وهو يشرح بشكل مفصل كيف مدت التفاهة أذرع سيطرتها في كل اتجاه وفي كل ميدان، من الميدان الأكاديمي، إلى السياسي، فالاقتصادي والتجاري، والمالي، والإعلامي، والفني...
وأنا في حواري هذا، يهمني الجزء الخاص بي وهو تأثير نظرية آلان دونو للتفاهة على مجال الفن.
لا تظهر التفاهة بشكل فج وصادم ومباشر في نظامنا هذا كما تظهر في ميدان الفنون!!
حيث أصبح شيئا عاديا، إلصاق ممارسات شاذة وغريبة بالفن.
لا تمت إلى الفن بصلة، والمصيبة الكبرى تكمن في الترويج لقضايا تزعزع أسس المجتمعات وتنسف ثوابتها من عادات وتقاليد.
فليس من الضروري كي تكون "فنانا" في نظام التفاهة أن تمتلك مهارات أو موهبة!
أو حتى أن يكون عندك رسالة لتؤديها أو كلمة نافعة لتقولها!
قل أسخف السخافات، وتشدق بأكثر الخرافات والعمقولية!
فهذه هي البوابة الأولى الناجحة لدخول عالم الفن من أوسع أبوابه الآن عن طريق فكر ونظام التفاهة العالمي الجديد!
كان من أهم الضروريات أن تصل التفاهة إلى ميدان الفنون!
فتتفيه المجتمع وإفراغه من القيم وإقصاء الذوق الرفيع والسلوك النبيل والقويم أصبح من أهم الأولويات لإرساء قواعد منظومة التفاهة وبسط سلطانها...
والسؤال المنطقي: من وراء هذا كله؟ ولماذا؟
الهدف بكل بساطة هو تمكين ناهبي ثروات الشعوب لأفقارهم لمصلحة نخبة عالمية غربية مع أتباعها من أنحاء العالم الآخر.
وأترك الآن كلام السيد آلان دونو.. وتعالو نعيش لحظات من الخيال معا الآن...
تخيل مثل الأفلام الأميركية التي طالما فجعتنا بأفلام عن ما بعد نهايات العالم.. ولا أعرف دائما لماذا العالم يكون دائما مدينة نيويورك!
عموما.. نتخيل أننا الآن بعد نهاية العالم.. الطرق مهدمة.. كل شيء مدمر.. عصابات وميليشيات في الشارع.. ربما بعض الزومبي إلى آخر الطبخة الأميركية المعتادة..
ويأتي البطل الذي لا يعرف ماذا حدث.. وفقد الذاكرة..
وهو في رحلة بحث عن هويته وماذا حدث..
حرقت المكتبات والكتب والمذكرات ومحطات التليفزيون..
ولم يتبقى سوى وسائل التواصل فقط!!
تخيل معي الآن أن تاريخ الإنسانية لا يرثه ابن خياص أو الجبرتي أو... أو... بل تيك توك وإنستغرام ويوتيوب..
والأدهى الآن خرافة وخداع أقوى من الفوتوشوب، وهو ما يسمى بالذكاء الصناعي.. والذي تعدى مرحلة الافتراضية إلى كونه "كذب.. واقعي!!"
تخيل عندما يجد البطل هذه المرجعية فقط، فيجد ترامب يصارع الشرطة لحظة القبض عليه!!
ويجد ملك إنجلترا يرتدي ملابس البحر القرمزية!!
أو.. أو...... كل تلك الصور الرقمية المزيفة على أنها واقع حقيقي
أو يكتشف أن أكبر مشاهدات للجماهير هي على أتفه الأشياء.
والأمثلة لا حصر لها....
هل تلك هي مرجعية تاريخنا؟!
هل هذا ما سيستند عليه الأجيال القادمة..
ملاحظة... كنت أقوم بتقديم محاضرة لطلاب من كلية "الإعلام".
وتحدثت عن الفنان الراحل "أحمد زكى".. وأدركت ان الشباب الحاضرين تساؤلوا عمن يكون "أحمد زكى"!!
وبكل فزع ودهشة قمت بإظهار صورة له.. فاذا بالطلبة يقولون ..
"ااااااه ... نعرفه نعرفه ...."!!!!!!
ماذا عن نجيب الريحانى إذا.. أو نجيب محفوظ .. أحمد عرابى .. محمد علي...
ماذا عن سيدنا عيسى وسيدنا محمد !!!!!!
لم يذكر ايا منهم فى التيك توك!!
وأخشى ما أخشاه عند ذكرهم أن تحدث كارثة ممن يذكرهم بنكتة او معلومات خاطئة... فلا مرجعية لأى ما يعرض أو ينشر ..
والكارثة ان الكل.. الكل.. يريد تصديق الاشاعة والكذب ويرفض وبشدة أي حقيقة..
لقد تعدى العالم الافتراضى افتراضيته حتى اصبحت واقعا جديدا مؤلما ... مثلة مثل نظرية العملات الرقمية الوهمية..
التعليقات