مرت عدة أيام على الذكرى السنوية لرحيل عمي، والذي كان حبيبي وقدوتي، الكاتب الكبير صلاح منتصر. بالطبع، هي مجرد تواريخ، فبالنسبة لي، كأنها ساعات من يوم طويل مليء بالبكاء، يوم وفاته.
وحاشا لله من الاعتراض على أمره، فهي رحلة قصيرة كما كان يقول لي طوال الوقت، علينا أن نكمل واجبنا فيها ونؤدي الرسالة على أكمل وجه.
كان يوم وفاته يوما مليئاً بالمحبين، وشعرت بسعادته عندما خرج جثمانه من بهو الأهرام التي أفنى فيها عمره وكأنها تودعه.
وكان هول الموقف بالنسبة لنا ولوالدي كبيرا جدا، فمنذ صغره كان يأتي مع أخيه ليقضي معه ومع زوجته نادية عبد الحميد، الصحفية البارزة، رحمة الله، يوما كاملا في الأهرام. وكانت هذه فسحة والدي، واسترسل والدي ليحكي بطيبته المعهودة كل هذه القصص لمن حوله وهو يبكي أمام جثمان أخيه الذي كان يكبره ب ١٥ عاما وكان بمثابة والده.
أميرة منتصر مع عمها الكاتب الراحل صلاح منتصر
لم يغب عمي عن بالي ولا عن تفكيري، وكيف يغيب وهو جيناته تجري في دمي، الجينات الصحفية كما كان يقول لي طوال الوقت. أول شئ توجهت إليه هو أنني قررت أقدم كتابا عن محمد فوزي كما كان يطلب مني دائما، فهو كان عاشقا لفنه. سعدت كثيرا عندما أهديت الكتاب لأحد أكبر الأطباء في مجال الكبد ووجدته يقول لي بعد قراءته للكتاب "دلوقتي أقدر أقول أن الأستاذ صلاح منتصر ما ماتش لأن اللي يقول لي بعد قراءته للكتاب "دلوقتي أقدر أقول أن الأستاذ صلاح منتصر ما ماتش لأن اللي خلف ما ماتش." سعدت كثيرا وطرت من الفرحة لأني سأكون ذكرى لعمي كلما رأى شخص وترحم عليه. فكما كان في حياته، قد قررت مع دخولي الأهرام أن التزم بكل القواعد حتى لا أضعه أبدا في موقع إحراج، وحتى أتذكر أنني كنت أرفض تماما أن أطلب منه أن يطلب لي أمرا من أي شخص مهما كان منصبه. وكنت أصبح في قمة سعادتي عندما أذهب لمقابلة شخصية من الشخصيات المرموقة وفي نهاية المقابلة أعرفهم بنفسي أنني ابنة أخو الكاتب الأستاذ صلاح منتصر. وأذهب بعد ذلك لعمي بمكتبه لأجده مبتسما يقابلني بالأحضان ويقول لي أن الشخصية التي حاورتها قد اتصلت به لتشكره وتقول إنني صحفية راقية ومجتهدة. كنت أشعر وقتها وكأني أمسك النجوم بيدي.
يكفينا فخرا أن تقرر الدولة وضع بيته كأثر من الآثار التي من الممكن زيارتها. بالطبع، هو لن ينسى، وأنا الآن أكتب كتابا عنه عن كل مراحل حياته منذ بدايته وعلى مستوى الأسرة وحياته ومعاناته مع حبيبته وزوجته الأولى التي تحملت تعبها وكان يحملها لعدة سنوات دون أن يكل، كأنها ابنته. كان يتمنى دائما أن تعيش حتى لو حملها عمره كله. رحمة الله عليه وعليها. ذكريات كثيرة سأنقلها على صفحات الكتاب، وليس هذا فقط، بل إنني أسعى جاهدة لتنفيذ طلبه الذي طالما كان يطالب به، وهو متحف يجمع كل كتابات الصحفيين، حفاظا على مجهوداتهم وتأريخا لعملهم الصحفي أيضا. إن شاء الله يخرج هذا المشروع إلى النور، تكريما له ولحياته التي أفناها في العمل الصحفي. رحم الله الكاتب الكبير صلاح منتصر.
التعليقات