قابلتها في مكتب البريد ومكتب البريد في منطقتي يوجد داخل مكتبة لبيع الأدوات المكتبية.
لفت انتباهي اهتمامها بأناقتها بالرغم من تقدمها في العمر، وذكَّرتني بالملكة في أناقتها وألوانها المبهجة وكأن جميع من هم في هذا العمر يتَّبعوا نهجها في الملبس والابتسامة.
تقف ثابتة بيدها عدسة عند رف بطاقات المعايدة والتهاني. لم أبادر بالسؤال المعتاد (هل تحتاجين المساعدة؟) لأن هذا سؤال منطقي ومُحبب في وطني الأم ،حيث كانت تتهلل أسارير كل من أسألها هذا السؤال وتنزل على مسامعي وابل من الدعاء و الأمنيات.
والأمر مشابه في الشارقة، حتى أتذكر أنني كنت أتلكأ في الخروج من المسجد لكي أعرض على زميلاتي في حلقات تحفيظ القرآن من كبار السن توصيلهن لبيوتهن التي لا تبعد 10 دقائق سيرًا على الاقدام ولكن مع الحرارة الشديدة والرطوبة كانت جحيم لهن وكنت في خلال هذه الدقيقة أتعلم كلمة جديد باللكنة السورية أو اللبنانية،وأحيانا طبخة أو ذكرى لإحداهن عندما زارت مصر تُشيد بأهلها، مع دعوة جميلة ترسم الإبتسامة على وجهي العابس من أثر الغربة.
أمّا في انجلترا إذا سألت هذا السؤال يعتبره البعض سؤال غريب و غير منطقي.
وذلك لأن غالبا الشخص الموجود في الشارع ما زال قادر على الاعتناء بنفسه مع بعض الاجهزة المساعدة أو الأشخاص المؤهلين و المعينين من قبل الدولة ،و مراعاة احتياجات جميع المارين بداية من المساحة المخصصة لسير المشاة مع وجود مكان منحني لنزول عربات كبار السن إلى إنخفاض الحافلة العامة ليستطيع أىّ شخص مهما كانت حالة ركبتيه، أن يصعد بأمان ودون ألم ولا إحساس بالعجز.
وأتذكر أنني في بداية أيامي هنا عرضت المساعدة وقُوبلت برفض مُسبب لطيف.
تابعت حركة هذه الجدة الأنيقة لاعجابي الشديد بثوبها الانيق الملون بألوان زهرة اللافندر والتي أكاد اشم رائحتها الآن.
ابتسمت ابتسامة خفيفة (اكتشفت في النهاية إنها لم تلاحظها) وحييتها لعلها تطلب مني أى طلب وأتمكن من الحصول على جرعة منشطة من السعادة والرضا ، مما يمحي أثر مرارة الغربة.
وبالفعل ابتسمت وقالت هنالك الكثير من الكروت هل تساعديني في إيجاد كارت لحفيدتي؟ حفل زواجها اليوم وأريد أن أكتب لها كلمة.
انفرجت أساريري وشمرت عن ساعدي وبدأت في التقاط البطاقات المناسبة كالتقاطي للازهار لصنع أرق باقة ورد لهذه الجدة الرقيقة.
وبدأتْ هي باستخدام عدستها المكبرة لتفحص تصاميم البطاقات التي أعرضها عليها كأنها تفحص مدى نقاء قطعة من الألماس.
أعجبها ذوقي واختارت ثاني اختيار تصميم رقيق بألوان اللافندر التي ترتديها.
والله يا جدتي إذا اطللتي بكل هذه الورود البنفسجية ومن قبلها ابتسامتك الرقيقة وعيونك الساحرة المُتعبة الراضية،لحصلتي على ألطف حضور في أىّ مكان مهما كانت قدسيته.
سلام على القلوب الرقيقة و العيون الضعيفة.
التعليقات