مع انطلاق الجلسات النقاشية للحوار الوطنى بحضور كبير وتنوع فى مستويات الطيف الوطنى من مختلف المجالات السياسية والمهنية والنقابية والأكاديمية تحت شعار (مساحات مشتركة) تتزايد الآمال فى أن هذا الحوار سوف يخرج بنتائج وتوصيات قوية قابلة للتنفيذ، وتحمل حلولا ناجعة للتحديات التى تواجه المجتمع المصرى فى المحاور الثلاثة للحوار، وتحقق أثرا إيجابيا فى دعم وبناء الدولة المصرية خلال الفترة المقبلة.
الحقيقة أن مصر شهدت حوارات مجتمعية عديدة من قبل، ولكنها هذه هى المرة الأولى التى حظى فيها الحوار بإعداد احترافى استغرق قرابة العام، وأسفر عن بلورة أجندة واضحة ومنهج عمل تمثل فى تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطنى، وإصدار اللائحة المنظمة لعمل هذا المجلس، وإصدار مدونة السلوك والأخلاقيات للحوار الوطنى، ولائحة إجراءات وتشكيل اللجان الفرعية ومهام المقررين والمقررين المساعدين.
لا شك، فى أن محاور الحوار الثلاثة (الاجتماعى والاقتصادى والسياسى) مهمة، ولكن يبقى المحور الاقتصادى الأكثر إلحاحا خاصة فى ضوء الأزمات العالمية التى ألقت بتداعياتها القوية على حياة الناس اليومية.
ويتناول هذا المحور 8 ملفات رئيسية تتضمن التضخم وغلاء الأسعار، والاستثمار الخاص، وأولوية الاستثمارات العامة، والموازنة العامة للدولة والإصلاح المالى، والسياحة، والصناعة، والزراعة. وسوف تسهم مناقشات المحور فى توحيد الرؤية الاستثمارية لخريطة الاقتصاد المصــرى. وهناك العديد من القضايا الفرعية التى تتضمنها هذه الملفات والتى تعرض لها البعض فى إطار الإعداد لملفات لحوار، ولكن هناك جانبا يمس اهتمامات المواطنين خاصة الطبقة الوسطى التى كانت محل اهتمام خلال اولى الجلسات النقاشية التى تضمنت تحذيرا من خطورة التراجع الشديد لدور هذه الطبقة التى تعتبر رمانة الميزان فى المجتمع.
رغم أن هناك تحديات معيشية كثيرة تواجه هذه الطبقة فإن تحدى السكن يعتبر من بين التحديات الأكثر أهمية نظرا لعظم تكلفته وهو ما يتطلب ان يحظى بالاهتمام الذى يستحقه على أجندة هذا الحوار، وهذا يقودنا إلى أهمية مواجهة أزمة القطاع العقارى المصرى وما أصبح يحدث فيه من أوضاع غريبة ومخالفات تؤثر سلبا على بعض الشركات العقارية التى ظهرت فيها ممارسات سلبية تجاه المستهلكين تؤرق الكثيرين منهم، الذين تورطوا فى شراء وحدات سكنية من تلك الشركات ودفعوا مبالغ طائلة ليكتشفوا بعد ذلك ضعف الموقف التنفيذى لمشروعاتها وتوقف بعضها، مما جعل هؤلاء الملاك المفترضين يعانون الأمرين فى التعامل مع بعض الشركات العقارية بسبب عدم الوفاء بالتزاماتها.
إن المشكلات التى تواجه مشترى الوحدات السكنية من أبناء الطبقة الوسطى تعتبر جزءا أساسيا من القضايا ذات الأولوية على أجندة المحور الاقتصادى، نظرا لأن القطاع العقارى يمثل أكثر من 20% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر، أى نحو ١٫٦ تريليون جنيه. فقد بلغت مبيعات أكبر 20 شركة عقارية 317 مليار جنيه فى عام 2022.
ويرتبط بهذا القطاع الحيوى نحو 100 صناعة أخرى، ما يجعله أساسيا للاقتصاد المصري.
لا شك فى أن هناك تحديات رئيسية تواجه القطاع العقارى، تتضمن رفع أسعار الفائدة، وانخفاض القوى الشرائية، وارتفاع أسعار مواد البناء، وبدلا من المواجهة الحقيقية لهذه التحديات وجدنا بعض الشركات المصرية تلجأ إلى حلول فردية أثار بعضها جدلا واسعا وتأثيرا سلبيا، مثل ربط بيع الوحدات العقارية بسعر الدولار. فى حين ان الحل الاقتصادى الحقيقى يكمن فى الربط بأسعار مواد البناء. كما لجأت بعض الشركات الى مخالفة نصوص العقد المبرم مع المشترين منها، من خلال إعادة تسعير الوحدات بأضعاف السعر الذى تعاقد المشترى عليه فى حالة تعثره فى دفع بعض الاقساط بينما لم تلتزم تلك الشركات بمواعيد تسليم الوحدات، بل تأخر بعضها أكثر من ثلاث سنوات عن موعد التسليم، فضلا عن فوضى صياغة عقود بيع الوحدات لتتحول إلى عقود إذعان للمشترين، مما يتطلب رقابة من أجهزة الدولة على هذه العقود المفخخة التى توقع الكثير من المشترين فى أزمات لا يمكن حلها ولا يكون أمامهم الا ساحات المحاكم لقضاء سنوات عديدة أخرى فى انتظار (شقة العمر) بعد ان يكونوا قد دفعوا فى اقساطها (شقى العمر)
التعليقات