قلوب بعض البشر كالقطن أو كالحجر، والبعض الآخر مثل البيوت ذات نوافذ وأخرى لها مطلات ترى من خلالها كل زوايا الحياة. بيوت تمليك وأخرى إيجار وغيرها كتب عليها ليست للبيع أو الإيجار!
كلٌ يطل على أيامه من خلال تجارب طحنت رحاها قلبه، تجد من ينظر من خلف الستار أو خلف النافذة الوحيدة التي تحملها غرفته.
منا من يجيد الانفتاح والتطلع ومنا من أرهقته تجارب السنون فصار قلبه مثل البسكويت يتحول بكلمة واحدة إلى "فرافيت".
في صغري كنت أحب الكتابة بالقلم الرصاص الذي يحمل ممحاة تمكنني من تصحيح أخطائي في التو قبل أن يراها البشر وقبل أن يضطلع عليها قلبي وقبل أن تصبح واقع أليم.
لا زلت أفضل ذات القلم الرصاص، لكن ليس كل ما يكتب اليوم في سجل الذكريات ينمحي.
هناك صفحات من الكتاب مازالت تقطر خيبة وألم وخذلان.
ياليتنا كنا نستطيع محو الآلام، سلاطة الكلمات وغِلظة القلوب بتلك البساطة التي اعتدنا أن نكتب بها.
هناك بعض البشر كان من الواجب أن تكون كلماتهم بالحبر السري، أن نتخلص من المُظهِر وأن نحرق من خلفهم كل الأوراق.
أما وأن ليس هذا بأيدينا، لا نملك إلا أن ندعو الله أن يطيّب هشاشة قلوبنا، أن يمحو عن أرواحنا صراع سنوات طويلة من الخذلان، ثم يمنحنا الصبر الجميل والقدرة على تغيير بور القلوب لأخرى تستطيع النجاة.
ليتنا ظللنا صِغار، فتلك العثرات أصبحت لا تكفيها ممحاة.
كنت أظن دومًا أن بمقدورنا أن نضع حدًا لكثير من البؤس الذي يعتري دنيانا بأن نظل على الطريق القويم، إلى أن أدركت ذات يوم أن لا شيء يدفع عنك البلاء لأنه جواز مرورك في الدنيا.
من أكثر الخرافات التي آمنت بها، أن لغة ودك الرقيقة قد تعفيك من أن يتهشم جدران قلبك إذا كنت تجاور الغاشمين.
سأكتب على جدران قلبي من اليوم لافتة "ليس للبيع أو الإيجار"!
كل حياة نبتت من صخر قاس تستحق الإشادة والتقدير.
صديقي، تعلم أن تجيد الكتابة فهناك أخطاء كبيرة لا تمحوها ممحاة.
سيحاسبك الله عن كل كلمة أثقلت بها على غيرك، كل نظرة قتلت في أحدهم الرجاء، كل مجداف استخدمته لخرق السفينة وليس لبقائها ناجية من الغرق.
ذكائك الذي طوعته لهرس القلوب وإظهار العيوب وسلب المحبة، وكل من كنت سببًا في عجزه عن ترتيب فوضى حياته.
تلك اللحظات التي جعلت أحد ما تعز عليه نفسه ستبقى سُبّة في جبينك أينما ذهبت.
أنت مؤذٍ قدر النقص الذي يعتريك!!
ستزوركم أفعالكم فلا تفزعوا منها.
تجاهلت أوجاعي لسنوات لا أعرف عددها، حتى نسيت كيف كانت تؤلمني. لكني لا أعرف حقًا هل نسيت أم جف بضع من قلبي فأصبح لا يشعر.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز "لا عدوان إلا على الظالمين"، في زماننا هذا لا ينال العدوان سوى الطيبين، وكأننا ولِدنا وفي فمّنا ملعقة من تعب.
لكن يا صديقي ستظل هناك نافذة صغيرة تطل على بيتك تؤنس وحشة قلبك وتُرزَق من خلالها الثبات.
إن الله إذا أحب أحدهم استخدمه، فإذا رأيت من حولك من يحتاج كتفك، فاعلم أن الله أرسله إليك لتنصفه في الدنيا ويقيك به شر العوز ومرار التخلي.
إذا التقيت بهؤلاء، اشتري منهم فأنت تشتري لتوك نفسك في زمن آخر.
ولعل سنوات طويلة حرمت فيها الراحة، تجنبك من يقترب منك ليطمئن أنك تتألم.
الحب مثل الدين لا إكراه فيه، سيقلب الله قلوبنا ذات اليمين وذات الشمال حتى يجتاحنا الأمل ويركن في كل زاوية مظلمة في أرواحنا، ثم ينفذ إلينا الرجاء بروية، تتناثر الدعوات وتمطرنا الرحمات لتشرق قلوبنا المَجْذُوذة من جديد.
إن وجود شخص ما في محيطك تأمَن وأنت تتكىء عليه هو لك أجمل أرزاق الدنيا، وإن كنت أنت هذا الشخص فقد ربحت لتوك أجمل أرزاق الآخرة.
كن هذا المُنادى في كل فاجعة والملجأ لمن ضاقت به الحيل. الحياة دأب الصالحين ومقبرة الطالحين، ولو هُديت القلب السليم والنفس المطمئنة فهنيئًا لك حسن الخاتمة.
إن أجمل صفاتك أن تستمر إنسان، من اعتاد العطاء نشأ من منبت كريم … ولن تغرقه أبدًا انكسارات الزمان.
التعليقات