لا أتصور أن أطفال هذا الزمن يتذكرون (أبلة فضيلة)، ولكن نحو أربعة أجيال على أقل تقدير كانت أبلة فضيلة تلوّن حياتهم ببرنامجها الشهير (غنوة وحدوتة).
فى بداية عملى بالصحافة كان مبنى الإذاعة والتليفزيون هو مقصدى الأول، أنتقل من مكان إلى آخر، وأبدأ الرحلة من الدور الأول قسم المسلسلات التليفزيونية فى (ماسبيرو)، فى زمن كان فيه التليفزيون الأرضى فى عز قوته وعنفوانه، ترى كل نجوم مصر من كتاب وممثلين فى مكاتب كبار المخرجين يتناقشون أو يتعاقدون، وأحيانا يتشابكون على أعمال درامية.
ولم أكن أكتفى أبدا بهذا القدر أو بتلك الحصيلة، أنتقل للناحية الأخرى من المبنى حيث الإذاعة المصرية العظيمة، الدور الثالث (صوت العرب) والرابع (البرنامج العام) والخامس (الشعب) والسادس (الشرق الأوسط)، من حسن حظى أننى لحقت زمن كبار أساطين الراديو، ولا شك أن فضيلة توفيق (أبلة فضيلة) تقف فى مقدمة الكادر.
أتذكر لها حكايتين، قالت فيهما الكثير، وحكاية ثالثة لم ترحب كثيرا بإثارتها، وإن كانت لم تنكرها.
فى أول زيارة للرئيس حسنى مبارك للمبنى فور توليه الرئاسة، التقى كبار نجوم الإذاعة، وعندما جاء دوره للسلام على (أبلة فضيلة) ضحك قائلا (إنت ليكى نشيد وطنى وأنا ما عنديش)، كان يقصد المقدمة الغنائية لبرنامجها والتى تقول كلماتها (يا ولاد يا ولاد/ توت توت/ تعالوا تعالوا/ علشان نسمع أبلة فضيلة/ راح تحكى لنا/ حكاية جميلة).
لم تنم ليلتها فضيلة توفيق، خوفا من أن حسنى مبارك غير راض عن ذكر اسمها فى أغنية، بعدها أيقنت أنها مجرد مداعبة من رئيس الجمهورية.
حكاية ثانية روتها لى مع الكاتب والفنان الكبير صلاح جاهين، قالت لى إنه قبل دخوله فى غيبوبة بنحو 24 ساعة فقط، زارها فى مكتبها وقال لها (الحياة الفنية والثقافية صارت راكدة يا فضيلة).
ردت عليه (ماذا نفعل لتحريكها) أجابها (نلقى فيها حجرا)، قالت له (كيف يا صلاح؟) أجابها (أنا الحجر).
ولم يضف كلمة أكثر من ذلك، وبعد ذلك تناثرت الأخبار عن إصابة صلاح جاهين بغيبوبة ثم رحيله، الغريب أنه فى تلك الليلة، كما روى لى شريف منير، كان هو آخر الأجيال التى لحقت بصلاح جاهين، ويعتبره مثل ابنه بهاء جاهين، طلب منه صلاح أن يوصله إلى منزل سعاد حسنى ثم يعدى عليه بعد ساعتين لإعادته إلى منزله.
وقبل العودة طلب منه أن يتوقف بجوار صيدلية واشترى علبة (أقراص منومة)!!، هل كان هذا هو ما قصده صلاح بإلقاء نفسه فى البحيرة الراكدة.
القصة الثالثة هى حكاية الحب مع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، والتى بدأت بعد طلاقه من زوجته وأم أطفاله نهاية الخمسينيات، قبل زواجه من نهلة القدسى مباشرة، كان المفروض أن تكلل تلك العلاقة بالزواج، تفاصيل متعددة تناثرت فى الصحافة كلها تشير إلى أن فضيلة توفيق هى التى أوقفت استكمال المشروع.
رفضت تماما أبلة فضيلة أن تشير من قريب أو بعيد لتلك الحكاية، لسببين أولهما زواجها من كبير خبراء الصوت بالإذاعة المهندس إبراهيم أبو سريع ووالد ابنتها الوحيدة ريم، ولا يجوز أدبيا أن تروى مثل هذه التفاصيل، أما الثانى فهو أن عبد الوهاب كان متزوجا من السيدة نهلة القدسى، وأحاديث الماضى العاطفية تظل جارحة لكل الأطراف.
ومع الزمن ستتبخر كل الحكايات، ويبقى صوت أبلة فضيلة فى الذاكرة!!.
التعليقات