فى لقاء ممتع أجريته قبل ساعات فى برنامج (بين السطور) مع الإعلامية المثقفة فى تليفزيون (دبى)- د. بروين حبيب ـ تناول العلاقة الشائكة بين الكاتب الروائى والمخرج، وأجرى الحوار فى مكتبة (محمد بن راشد)، قلت إن أفضل توصيف هو أن السينمائى (يفترس القصة الأدبية ليحيلها إلى شريط مرئى). توجد مدرستان فى تعامل الأديب مع السينما، واحدة وضع قواعدها نجيب محفوظ، ويقولها مباشرة من يريد أن ينتقدنى يحاسبنى على الرواية المقروءة، ومن يريد أن ينتقد قصتى التى ظهرت فى الفيلم يحاسب المخرج، بينما يوسف إدريس كان كثيراً ما يدخل فى معارك قضائية مع المخرجين وكتاب السيناريو ويتهمهم بتعمد التشويه.
هل السينما بحاجة إلى الأدب؟ سؤال يبدو عند البعض يحمل إجابته فى داخله، نعم السينما عندما تستند إلى الأدب تصل إلى ذروة آفاق التعبير، ثم إن التجربة العملية أثبتت أن الأدباء الكبار الذين توجهت السينما إليهم، ولاتزال تحقق أفلامهم عادة القدر الأكبر من الإقبال الجماهيرى، وسوف نجد مثلاً أن كل من إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ قدمت السينما لكل منهما ما يربو عن 50 عملا روائيا، ولاتزال تنهل من أدبهما.
لو أحصينا الأفلام التى دخلت تاريخنا لوجدنا قسطا وافرا منها مأخوذا عن أعمال أدبية، قسطا وافرا وليس القسط الأكبر، وسوف أضرب لكم مثلاً عملياً بالأرقام أهم عشرة أفلام فى تاريخ السينما المصرية طبقاً للاستفتاء الذى أشرف عليه الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة باعتباره رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1996 أسفر عن «العزيمة»، «الأرض»، «المومياء»، «باب الحديد»، «الحرام»، «شباب امرأة»، «بداية ونهاية»، «سواق الأتوبيس»، «غزل البنات»، «الفتوة».
الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية هى «الأرض» عبدالرحمن الشرقاوى، «الحرام» يوسف إدريس، «بداية ونهاية» نجيب محفوظ، النسبة لم تتجاوز 30%!!. يجب أن نفرق بين القصة السينمائية والقصة الروائية، «شباب امرأة» مثلا قصة سينمائية صاغها أمين يوسف غراب وليست رواية، «سواق الأتوبيس» شارك فى كتابة القصة السينمائية كل من «محمد خان» و«بشير الديك».. «الفتوة» قصة سينمائية صاغها محمود صبحى وفريد شوقى وشارك فى كتابة السيناريو نجيب محفوظ!!.
القصة الروائية العظيمة ليست هى الوصفة السحرية لتقديم عمل فنى ممتع، يظل الرهان هو قدرة المخرج أن يمنح القصة روح (الفن السابع) الذى يجمع الفنون الأخرى: القصة، المسرحية، الموسيقى، الشعر، الرسم، العمارة.. هو ليس تجميعاً لها بقدر ما هو تفاعل بينها، عندما تذوب المكونات الأساسية لكل عنصر نجد أنفسنا بصدد فن مغاير. السينما منذ نشأتها فى العالم عام 1895 وهى تبحث عن السينما الخالصة، نعم بدت فى وقت ما مجرد حكاية أو قصة تروى على الشاشة مثلما نقرأها فى كتاب، خضعت فى البدايات لقالب أقرب للحدوتة أو الحكاية، لا أحد يضمن انتعاش السينما بمجرد حصولها على «تأشيرة» الدخول لعالم الأدب!!. نموذج فيلم «الكيت كات» عن قصة «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان وهو أنجح فيلم جماهيرى للمخرج «داود عبدالسيد» وأيضاً لبطل الفيلم «محمود عبدالعزيز»، واحتل المرتبة الثامنة كأفضل فيلم عربى فى استفتاء مهرجان (دبى). منذ بدايات السينما، وهناك معارك طاحنة بين الأدباء والمخرجين، عندما قدمت السينما فيلم «رصاصة فى القلب» قصة توفيق الحكيم وإخراج محمد كريم وبطولة محمد عبدالوهاب، اعتبرها الحكيم رصاصة فى قلبه، وكثير من الكتاب عندما يشاهدون أفلامهم على الشاشة يؤكدون أنها رصاصة فى قلوبهم!!. من يفترس من؟ الروائى أم المخرج، هذا هو السؤال وتلك هى المعركة الدائمة التى لم ولن تنتهى، وهو ما حاولت أن أجيب عنه (بين السطور) فى لقائى مع بروين حبيب.
التعليقات