الكثير منا يحتفظ ببعض الأشياء القديمة لسبب يعرفه أو لا يعرفه. عندما تمتلك شيء يذكرك بأحدهم، بموقف أو بحقبة حانية من عمرك، تهتم أن يرافقك للأبد.

عندما كنت في المدرسة أعطتني أمي أطال الله عمرها خاتمًا من الذهب القشرة به فص أزرق كبير فريد اللون، كان الخاتم أصلا لجدتي رحمها الله. ظللت ارْتَدِ الخاتم ولم يفقد بريقه لسنوات طويلة. 

في أحد الأيام انكسر الخاتم وبما إنه لم يكن من الذهب لم أستطيع إصلاحه، فاحتفظت به عندي لأكثر من عشرين عام.

وفي أحد الصباحات قررت "إعادة تدوير الذكرى".

أخذت الخاتم لمحل الفضة الذي أتعامل معه ورسمت الشكل الذي أريده للخاتم أقرب ما يكون للاصلي، تم نزع الفص الجميل وتركيبه على الخاتم الجديد، ولا زلت ارتديه إلى يومنا هذا.

إعادة التدوير أو الريسيكل (Recycle ) المقصود بها هو إعادة استخدام المخلفات؛ لإنتاج منتجات أخرى أقل جودة من المنتج الأصلي.

الإضافة هنا تكمن في إنتاج منتج يعطي للذكرى مزيد من العمر والحياة والجمال.

لقد اصطحبت ما أحببت معي في رحلتي، قيمة الأشياء ليست بسعرها بل بالذكريات التي تملكها عن أصحابها.

علمني هذا الموقف إننا قادرون على تجميل أقدارنا، كل ما يُكسر داخلنا يمكننا دائمًا ترميمه ليبدو في صورة نِعَم تخترق دنيانا لبناء أرواحنا من جديد.

كان بداخلي رمزية فريدة للخاتم القديم، انقلبت لطاقة تأمل وقدرة على تصويب كسر القلوب وترويض العثرات وتجميل الشيب ليصير نضجًا ومحاولات أقوى للبقاء العامر في الدنيا.

نحن نتاج أيام وسنوات مضت وسنوات أخرى ينتظر منها وفيها كل الرجاء.

لا أحد يمتلك كل شيء ولا أحد مُعفى من الفقد أو الألم أو السعادة.

أؤمن أن السعادة لا تتوقف على حياة خالية من المشكلات، بل على نظرتنا لطريقة التعامل مع تلك المشكلات.

في الفقد مواصلة للحياة، وفي العثرات صلابة لظهرك وأنت تمضي في دربك. 

يقول "وليم فوستر" وهو مصور سينمائي أمريكي: (الجودة لا تأتى صدفة أبدا، فهي نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وإخراج متمرس؛ فهي تمثل الاختيار الحكيم لبدائل متعددة).

مزاملة السعادة فرض عين على كل إنسان، تضفي على عمرك مزيد من البهاء. كن حريصًا أن يستمر كل صباح من عمرك مثل كوب القهوة الساخن يضخ في عقلك مزيد من العُمْران والجودة.

الموت يقين، والحياة حق، وبين الحق واليقين يتأرجح بين راحتيك السعادة والشقاء.

ستدرك أن الحياة لا تزال جديرة بالاهتمام، إذا كنت عندما تتعثر تبتسم وتنهض أكثر قوة واكتمال.

اقتحمْ المنغصات وزاحمْها بحسن ظنك واتخذ لكَ حيزًا يُبقي سيادتك على نفسك، فظروفك ما هي إلا نذور واجبة الوفاء.

علمتني الطيور التي ربيتها لأكثر من خمسة عشر عامًا، أن الأسْر لم يعيقها عن زقزقة السعادة وإنتاج المزيد من الأجيال القادرة على التكيف بصورة تضيف للحياة الكثير من الرخاء.

لن يمكننا أبدًا العودة للخلف، لكن أجمل ما نستطيعه هو المضي قدمًا حاملين خاتم السعادة. 

إن إعادة تدوير آلامك مفهوم يخلصك من الكثير مما لا تقدر على حمله أو تخطيه، يُمَكِنَك أن تلتقط ما يسمى "بُحْبُوحَة العَيش".

بعض المشاعر المضطربة والمواقف الغير مُعَرّفة في قلبك تحتاج لإعادة تدوير ليستمر قلبك مُحتَفى به داخل الجسد الذي يتحمّلك لسنوات.

أتعلم يا صديقي أن الرؤوس الخالية من الأوجاع خالية أيضًا من الحياة، فنحن كبشر لا ندرك أو نقدّر الشيء إلا إذا مر علينا نقيضه.

لا شيء يعادل نظرة الإنسان السَوِيّة لنفسه. إن من بين كل أسلحة الدمار التي تم اختراعها يبقى الإنسان هو السلاح الأخطر على نفسه، فلا ينجو من يجبُن أو ييأس ويضمحل في عينيه المرتجى من معيشته.

 للحياة أساليب عديدة لاختبار إرادتنا، تظل السماء الرمادية تخفي لونها الأزرق حتى تأذن أنت لإرادة البقاء بداخلك أن ترى مَلاحَة لونها؛ ما لا تراه عينيك يدركه قلبك لو امتلكت اليقين والتوق الحقيقي لرؤيته.

إن أكبر أخطأنا كبشر تكمن في أن البعض منا يظن أنه لا يستحق الخير أو الشر الذي يصيبه، فيبقى غافلا فاقد البركة لا ينتفع بخيره أوعاجز عن درأ العَوَز عن نفسه.

تَتَبَع العلامات التي توضع يوميًا في طريقك، اسعى جاهدًا لإعادة تدوير مشاعرك بطريقة تُبقي وجدانك رَطِبًا، ثم عش كل يوم حاملا الرحمن في قلبك.

أما أسوأ ما تفعله بنفسك يا صديقي أن تتصور أنك وحدك من يُعاني.

الكون لا يتآمر عليك بل أنت من يفعل بفشلك في إعادة تدوير آلامك وتضميد جراحك، تخلى عن جُبنك لأن شجاعتك التي تبديها هي وحدها ما يعجل بظهور الطريق.

كلما أغلقت روحك على عيوبك فإنك تترك بابًا مفتوحًا يندفع منه الأسى، ولعل أسوأ ما في تكرار هذا الخطأ أنك تجعله يبدو اختيار. 

ثق أن كل شيء في دنيانا ينتهي النهاية الحسنة اللائقة، فإن لم تصل إلى ذلك فأنت لم تبلغ النهاية بعد.