كلنا نحمل هم التقبُل ووهم أننا لا ننساب أحد، وأن الحياة أغلقت باب السعادة في وجوهنا فبتنا ننتظر شئ ما لا يحدث.
كيف تود أن يتقبلك الغير وأنت لازلت تحمل العديد من التساؤلات تجاه نفسك؟ كيف تريد أن يختفي خواءك الداخلي وأنت لم تكتمل بعد بنفسك؟ وكيف تود أن تصبح خفيفًا مرتاح البال وأنت تعيش مثقلا داخل قلبك؟
هل تعلم عزيزي القارئ أنك تحمل إمتياز ثمين؟
نعم … فأنت على قيد الحياة تصحو وتتنفس، يمكنك أن تفكر وتعمل وتستمتع.
ماذا يفعل الرضيع فاقد الأهلية والقدرة على التعبير؟ إنه ينتظر ولا يهتم إلا وقت أن يجوع أو يصاب بالنغص.
هل سمعت عن طفل عمره شهران يجلس مكتئبًا متوترًا ألا تأتي أمه لإرضاعه عندما يجوع؟
رغم إنها مقارنة ساخرة لكن هذا ما نفعله بالضبط!
آفة زماننا أننا تركنا التوكل على الله وتوقفنا عن عبور الطريق على اعتبار أن الإشارة تتحول للون الأحمر، هذا ما يسمى الركون.
لا أحد يظن إنه يستطيع إلا إذا عافر وقاوم وسقط فأقام نفسه ثم وصل، لكنك لن تصل لشئ وأنت تصادق أحزانك وتعود إليها يوميا خِلٌ وفيّ.
أتدري يا صديقي أنك من يأجج الحروب والحرائق التي تأكل قلبك؟ أتعلم أن الله وقت أن وزع السلام والظلم في الأرض، ترك لك حرية الاختيار في أن تبقى مطمئنا أو أن تظل تأثم وأنت تأكل نفسك؟
أنت من ترك سنوات العمر تنفرط وأنت تتصور أنك المتفرد الخال من العيوب. تريد أن تضع إطارًا من حولك لتصبح تلك الذات الكريمة التي لا تُمَس لأنها لا تخطئ.
هل تعلم يا صديقي إن أكثر ما ينفر المرء من غيره هو صلافته وغروره وضعف مرونته وانعدام قدرته على التغيّر.
لا أحد يحتاج وغًدا في صُحبته!
ارتفع عمر الإنسان، ازدادت قدراته وذكائه وإمكاناته، رغم ذلك لا يزال ذاك الأعمى الذي لا يرى نفسه.
إن ذلك الوغد الذي تحبه بداخلك قد يقتلك!
العقل الجاف شرس في ردود أفعاله، أهوج في قراراته، كالأرض القفر الجدباء لا تنبت فيها بذور وينضب منها خيرها.
لا تكن ذاك الأحمق الذي لا يفكر، تأنى ولا تؤذي، وتريث قبل أن تقطع أواصر المحبة.
لن ترى خيرًا أعظم في دنياك من أن ترى نفسك. اجلس وحدك وأغلق عليك بابك، ثم صفِّ ذهنك وتحدث بصدق لنفسك.
جاور عيوبك ولا تتجنبها وتعايش معها حتى تُصْلحها، تجمل بصدق لم تعرفه قبل يومك هذا، فأنت الرابح الأوحد أو الخاسر الأعظم.
لا ترى نفسك في عيون الناس لأن الكثير يتربح من مجاورتك، لكن تسلح بقوة وإرادة كافية أن تحب ذاتك بطريقة تسمح لكما بجني محصول الرضا والسعادة.
ذهلت في أحد الأيام عندما وقفت وحيدة أتحدث لنفسي. هالني كم العيوب التي أحتاج لإصلاحها، وقد كنت أتصور أني جيدة كفاية لاستمتع بنِعَمي.
أدين بحياتي لمن علمني كيف أرى عيوبي، لمن دربني كيف ألتقط مواطن الضعف بداخلي وأعزز ثقتي بنفسي.
ولازلت أفعل ...
رغم الصّمت والهدوء والاتزان الذي نُمارسه ونَظْهَر به خارج جداران أرواحنا.. إلّا أن في عقولنا ضجيج .. يزعجنا ويقطع صلاتنا بأرواحنا ويمنعنا أن نقود أنفسنا… فنغدو فاقدين الهوية والرؤية والبصيرة.
ذكائك في التعافي والخروج من دائرة التشويش أن تجد طريقة تسمع بها صوتك الداخلي ولا تنكره متعمدًا.
هنا تحتاج كل أمانة الأرض وصدق السريرة وقوة غاشمة ترى بها نفسك.
من الآن توقف عن آفة شعورك بالأسى على نفسك وظروفك ومعيشتك، ثم تعايش مع قدرتك الحقيقية على استيطان جنات الأرض.
تعلم الرضا المطلق وأعني بالمطلق أن ترضى أولا عن نفسك ورزقك وما اكتسبته في دنياك.
في الرزق عطاء وفي المنع كل العطاء لكننا لم ندركه بعد.
استمر قويًا عفيًا مادمت تحيا، تنفس بهذا الرضا الحياة وستتغير نظرتك لمكتسباتك لأنك غيرت النظرة التي ترى بها كل شئ من حولك.
أنت قَدَرَك، تعني أنت نصيبك، تعني أنت من يُجَمّل هذا القدر والنصيب ويصنع المعيشة الحلوة من خلالهما.
كم المعارك التي ستحتاج لخوضها لا يمكن التنبؤ بها، لكني أُؤكد لك أنه فور أن تعرف من أنت، ستتغير صورتك الذهنية عن نفسك وتتغير معها نظرتك لكل ما يدور حولك.
ستصبح أكثر هدوءا وأكثر قدرة على التعامل مع حزنك وغضبك. لن تفتقد الكثير من الناس بعد هذا اليوم أكثر من نفسك، بالتأكيد فقد تعلمت آنذاك كيف تصادق نفسك وتأتنس بصحبتك.
ستتعجب من قدرتك على التحول من شخص يعيش على أطراف الحياة لآخر يحب ويستمتع أن يسبر أغوارها.
أُدْرِك اليوم أن كل كلمات الأمن والأمان والاستقرار لن تكفي لتجميل قدري فأنا من يصنع قدري بأناقة العبور في الحياة.
بداخل كل إمرئ شخص آخر لا يعرفه، يستيقظ حين ينكسر، حين تعتصره الوحدة، حين يعايش الألم؛ فتصحو الرغبة بداخله فجأة ويصير أقوى بطريقة مدهشة.
من اليوم يا صديقي كُلّ ما يحلو لك، لكن عدني ألا تأكل نفسك.
التعليقات