فى حفلات مهرجان الموسيقى العربية، تكتشف أن محمد منير لايزال يقف على القمة، حفل الغد نفدت كل تذاكره، وقبله أيضا حفل عمر خيرت، منير يقترب من السبعين وخيرت تجاوزها، وجمهور الحفل، أقصد الأغلبية، تقع أعمارهم بين العشرين والأربعين، هؤلاء هم الذين يحددون مواصفات النجوم فى الغناء والموسيقى والتمثيل، وهو ما يؤكد أن السوق قادرة على الفرز وانتقاء الأجمل.
كما أنه يجيب عمليا عن السؤال الذى يتردد فى مختلف المجالات أين كبار المبدعين؟ كلما استمعنا إلى أغانى تلك الألفية شعرنا بحنين لزمن ولى ولن يعود، نكتشف أن عددا ممن قدموا لنا روائع الماضى لايزالون بيننا أحياء يرزقون إلا أنهم مستبعدون من التواجد، هل يصبح الحل والحسم بأيديهم، بمجرد عودتهم سينضبط حال المقامات الموسيقية (السيكة) و(النهاوند) و(البياتى)، وستختفى إلى غير رجعة أغانى (المهرجانات)، وهو ما يتكرر أيضا فى ملعب الدراما، نقرأ أسماء كبار المؤلفين والمخرجين والنجوم ممن لم تعد جهات الإنتاج تستعين بهم، نردد موقنين أن عودتهم للميدان تكفى لضبط الحال وتعديل البوصلة للمسار الصحيح.
كثيرا ما أقرأ شكوى الكبار الجالسين على (دكة) الاحتياطى، خارج الملعب، لم يشاركوا خلال السنوات الأخيرة فى أعمال فنية، هل يتعرضون لإقصاء متعمد، أم أن إيقاعهم بات خارج الزمن؟.
هل قانون العرض والطلب يكفى لضمان تطبيق قاعدة البقاء للأصلح؟ لا أتصور أن هناك مؤامرة على جيل الكبار، وهناك من يقول لهم نكتفى بهذا القدر، إلا أن بعضهم اكتفى فعلا بهذا القدر، ويشغل مقعد الناقد وأحيانا الناقم، الذى يُطل على الحياة الفنية بقدر لا ينكر من التعالى، ثم نكتشف مع أول تجربة أن بطارية إبداعه أصابها العطب، وأن هناك فروقا شاسعة فى التوقيت بينه وبين الجمهور، أبجدية الشاشة تغيرت، الجيل الذى ولد فى زمن المحمول (جيل زد) لا يرضى بالشاشة التى كانت عليها الدراما- سينما وتليفزيون- حتى التسعينيات، وبرغم تعدد أخطاء مسلسل (الضاحك الباكى) بداية من اختيار النص وتسكين الممثلين، إلا أن الخطأ الأكبر يكمن فى الرؤية الإخراجية التى قدمها محمد فاضل لأنها تنتمى لزمن ما قبل الألفية الثالثة.
وهذا قطعا ليست له علاقة بعمر المبدع، لكن بقدرته على قراءة وهضم التغيير الحادث فى أسلوب تلقى الجمهور، الذى صار إيقاع الصورة وتدفقها أمامه يشكل الجزء الأكبر من ثقافته، شاشتا المحمول والكمبيوتر لعبتا دورا كبيرا فى تغيير مفردات التلقى، محمد فاضل قدم المسلسل برؤية التسعينيات، فهو لم يهضم تغير الزمن، المخرج الفرنسى الراحل جان لوك جودار ظل فى الملعب حتى تجاوز التسعين من عمره، هضم المتغيرات فى مفردات الصورة، الموسيقار عبدالوهاب جدد نفسه، منذ مطلع الخمسينيات، عندما استشعر أن جيل الطويل والموجى غير الكثير من الثوابت فتغير هو أيضا.
وهكذا صار لدينا نوعان من عشاق عبدالوهاب، القديم قبل الخمسينيات، والجديد بعدها.
لديكم الراحل وحيد حامد غادر الحياة وهو متعاقد على مسلسل (الجماعة) الجزء الثالث وفيلم (الصحبة) رشح لإخراجه ساندرا نشأت، وحيد أراد أن يتكئ إيقاع فيلمه على مخرجة تقدم نبضا عصريا للصورة.
أحيانا أتابع فنانا يغض الطرف عما يجرى فى الحياة، معتقدا أن ساعة الإبداع قد توقفت عقاربها فى اللحظة التى غادر فيها الملعب، وأنه بمجرد عودته سيحدد مجددا ساعة الصفر، إنه قطار الزمن الذى يجب هضم إيقاعه ومفرداته ولن يشفع لأحد ماضيه العريق!!.
التعليقات