لم أخشى يومًا أن تغيب عني الأفكار كل ما أخشاه أن تتوه مني الكلمات، أن تكون رغباتي تجول في قلبي ويعجز لساني عن التعبير عنها فيفقد عقلي القدرة على تحقيقها.
هذا ما يفعله بنا الموت، أما أنا فإنني على قيد الحياة.
اليوم رأيت شاطئ البحر الفيروزي، جذبني هذا الساحر المحترف في لمحة لم تستغرق سوى بضع لحظات قليلة جدًا، سمحت لأنفي أن يتعرف خلالها على رائحة اليود كأنني اشتمه لأول مرة. سَرت قشعريرة في جسدي وأخذت نفسًا عميقًا ملقية بكل الأحمال عن أكتافي.
توقفت لأتساءل: هل هي العين التي ترى، أم القلب الذي يشعر أم العقل المرشد هو ما يجعلك تحس وتشعر.
هناك مصطلح باللغة الإنجليزية يسمى Mental block الانغلاق الفكري أو الانحصار العقلي هو قمع لا يمكن السيطرة عليه، أو قمع الأفكار/الذكريات المؤلمة وغير المرغوب فيها، ويكون الإنسان في تلك الحالة غير قادر على المتابعة أو إكمال قطار الفكر.
في حالة الكُتّاب تُسمّى Writer block، وعندما يُصاب الكُتّاب بتلك الحالة، العديد منهم يجدّون أنه من المفيد أخذ قسط من الراحة وإعادة النظر في مواضيعهم.
هذا ما أصابني بالفعل لأيام وجعلني أتوقف اضطلع على نفسي من الداخل. أغلب الناس عندما يمرض يسارع للطبيب وينتظم في علاجه ليصحو جسده من جديد.
دعني أسألك الآن كم شخص حولك قادر على أن يطبب روحه؟ كم شخص تعرفه يهتم بقلبه كما يفعل بجسده؟
كلنا نعرف غذاء ملكات النحل، هو مادة شبيهة بالحليب يفرزها النحل، ومن المعروف أنه يوفر العديد من الفوائد المذهلة. فهل تستطيع تلك الحشرة البسيطة أن تصنع لمن تهتم لأمر بقاءها ما لا نستطيعه نحن؟
من أين لنا أن نبتاع غذاء أرواحنا؟
إن كثرة الضغوط الداخلية والخارجية، عدم القدرة على البوح بكثير من معاناتنا، والمشكلات العالقة من سنوات أكثر ما يسبب جَدْب القلب ويحول العقل لماكينة عمياء تقطع أميال العمر بعجز وجفاف.
هل يتوقف أغلبنا ليسأل نفسه هل يمضي في المسار الذي يحبه؟ هل تلك هي الحياة التي كنت أحلم بها؟ وهل سأعاود تلك الأسئلة وتأتي نفس الإجابات؟
إسمح لي يا صديقي أن أجيبك.
لا أحد يسأل نفسه هل أنت سعيد وتأتي الإجابة مُبشرة، تتعلق الإجابة كلها بالرضا والرغبة الجادة في صنع السِحْر في عمرك.
في رأيي المتواضع أن ما يصنع الفرق بين إنسان سعيد وآخر تعيس هو قدرة الأول على رؤية النِعم البسيطة والاستفادة من حسن مجاورتها والسماح لها بريّ ظمأ نفسه.
النجاحات الكبيرة ليست سبب حقيقي للسعادة، إنما هي الإنجازات الصغيرة التي نفعلها يوميًا ونحن في طريق الوصول لأهدافنا هي ما تُجَمِّل الدنيا في أعيننا، هي ما تحثنا على الشعور بكل المواقف وتحسين تعاملاتنا من خلاها.
النعمة التي لا تتوقف لتُشعِر ذاتك بها من خلال قلبك وعقلك ووعيك تفقدها ويخمد وميضها بداخلك للأبد.
يحتاج مزاجك إلى نوع معين من القهوة التي تفضلها وإلى درجة التسوية المناسبة والتحميص والتحويج، كمية الماء وحجم الفنجان أو الكوب ولونه والمكان والشخص الذي تشربها معه؛ حتى يعتدل مزاجك.
معادلة مضحكة وصعبة من أجل كوب واحد من القهوة، فكيف بقدرتنا على استعدال هذا المزاج المنحرف طوال سنوات العمر؟
من خلال كل ما تمر به يوميًا من هراء، تحتاج أن تركز كل جهدك في عمل archive لكل ما يسئ لمزاجك ويحيد بك أن ترى نفسك بوضوح من الداخل.
وظيفة العصاة لفاقدي البصر أنها تجعلهم يشعرون بأبعاد الأشياء التي لا يرونها من حولهم، تلك هي عصاتك التي تبحث عنها أيها المبصر: أن ترى.
أن ترى تعني أن يكون لديك القدرة على رؤية جمال الأشياء والشعور بها، أن ترى لون البحر وتسمع صوته وتشم رائحته وتتوقف لتذكِّر نفسك بأنه جميل ولا يستحق أن يمر على عينيك دون أن يشفي روحك من الداخل.
اسْتَحِق أن أشعر أني ملكة في دنيتي وأني اسْتَوْجبَ أن يُصنع لي الغذاء المناسب لروحي، وأنه لو لم يقدم لي اسْتَحْدثه لنفسي، وأن يظل الخير كله الخير أن أُقيم الحياة بقوة ودأب وليس فقط أن أَحْيَاها.
التعليقات