لايزال هناك من يحلو لهم محاكمة الفن بمعيار دينى، طوال تاريخ الإبداع ستكتشف من يضع هذا (الترمومتر) الذى يتدثر عنوة برداء أخلاقى، وحتى تعبير (السينما النظيفة) و(الغناء النظيف) ليس وليد هذا الزمن كما يعتقد كُثر، لو قلبت صفحات الماضى لوجدت أن بعض الصحفيين كانوا يحللون الفيلم فى الخمسينيات برصد عدد القبلات والأحضان، وإذا أثبت تحليل (دى إن إيه) خلوه من تلك الموبقات- والعياذ بالله- حظى بالقبول والإشادة.
قبل أيام وجدت على بريدى الإلكترونى من أرسل لى مقطعا من أغنية شادية (خمسة فى ستة بتلاتين يوم) التى كتبها حسين السيد ولحنها منير مراد والمقطع الثانى (غايب عنى وغاب النوم/ ولما يجينى وأشوفه بعينى/ أحلف إنه ما غاب ولا يوم).
وهكذا ضبط صاحبنا شادية وهى متلبسة بجريمة متكاملة الأركان تعترف فى البداية بأنهم ثلاثون يوم غيابا، ثم تغالط فى الحساب، وتقسم أنهم لم يكملوا حتى ولا يوما.
أضاف: لماذا تحلف كان من الممكن أن تكذب وتكتفى بمعصية واحدة.
أتذكر أن أكثر من رجل دين ممن نطلق عليهم داعية وأحيانا ننعتهم بالمستنير، ومن الممكن أن تصبح أيضا مستنيرة، اتفق عدد منهم أن أغنية شادية تأليف مجدى نجيب وتلحين محمد الموجى (غاب القمر يا ابن عمى يالا روحنى) هى عنوان صارخ للمسخرة وقلة الأدب والحياء، لأنها خرجت مع ابن عمها بدون محرم، وظلا معا على هذا النحو حتى أنصاص الليالى.
لو طبقنا تلك القواعد على ما تبثه الإذاعة، سوف نتخلص على الأقل من 90 فى المائة من أغانينا العاطفية، كلها مليئة بكلمات بحبك وأعبدك، ولم يغن رجل حتى الآن لزوجته ولا امرأة ضبطت وهى تغنى لزوجها، دائما ينعتونه بالحبيب وليس الزوج.
حتى أغانينا الوطنية لم تسلم من الطعن بسلاح التجاوز الدينى، لديكم (بالأحضان) التى كتبها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل بها هذا المقطع (فى صلاة العيد/ عيد الثورة/ وأناجيك يارب)، هل يوجد فى الإسلام سوى صلاة العيدين، الفطر والأضحى، فكيف انضم لهما عيد الثورة ومنحوه تلك القداسة الدينية؟.
صوت هؤلاء ارتفع أكثر فى السنوات الأخيرة، حتى إنهم يحرمون قصيدة أبوالقاسم الشابى، وهى النشيد القومى لتونس الحبيبة، يرفضون، من منظور دينى مباشر، مقطع (فلابد أن يستجيب القدر).
أخذوها كما هى واعتبروها تحمل فى عمقها طعنا للقدر، هم أيضا الذين حرموا أغنية عبدالحليم حافظ (على حسب وداد جلبى يا بوى)، التى التقطها من الفولكلور الصعيدى (لا ح سلم بالمكتوب/ ولا ح أرضى أبات مغلوب)، اعتبروه تحديا سافرا للقدر.
كان الداعية محمد الغزالى عندما يسألونه عن غناء المرأة يقول جملة فضفاضة أخذوها جميعا من حسن البنا مؤسس الجماعة (حلاله حلال وحرامه حرام)، فهو لا يعتبره حراما مطلقا، ويضيف استمع إلى أم كلثوم وهى تغنى (أنا الشعب أنا الشعب/ لا أعرف المستحيل) من قصيدة كامل الشناوى (أنا الشعب)، ولا أستمع إلى عبدالوهاب وهو يردد (ليلنا خمر وأشواق تغنى حولنا)، قصيدة (كليوباترا) لعلى محمود طه.
نكتشف، كلما أوغلنا، أننا تحت مرمى ذخيرة حية من الضربات المتلاحقة، وأكثرها إيلاما هى تلك التى تنهال علينا ممن نطلق عليهم (مستنير)، رغم أنهم الأكثر انغلاقا وإظلاما.
التعليقات