فى عام 98 أثناء مهرجان (قرطاج السينمائى)، كان يُعرض فى الصباح فيلم (أرض أرض) بطولة إلهام شاهين، وذهبنا كنوع من المؤازرة للفيلم المصرى المشارك فى المسابقة الرسمية، وكان من بين المؤازرين محمد هنيدى، وفى الشارع المؤدى للسينما لم يكن هناك أحد يعرفه، ثم لا حظت طفلًا يجرى مسرعًا إليه واستبشرت خيرًا (أخيرًا حد يعرفه)، ثم اكتشفت أنه شحاذ يبحث عن دينار.
بعد ساعات قليلة، وفى المساء، كان موعد عرض فيلم (صعيدى فى الجامعة الأمريكية)، السينما كائنة فى شارع (الحبيب بورقيبة)، حيث يقيم أيضًا ضيوف المهرجان بفندق (إفريقيا)، وتم حصار المكان المؤدى لدار العرض، والكل فى انتظار حضور محمد هنيدى، كانت سمعة الفيلم قد سبقته من القاهرة إلى تونس، لأنه حقق بمقياس تلك السنوات إيرادات غير مسبوقة، وهى مؤكد من أكثر وليست بالضرورة أكثر إيرادات فى تاريخ السينما المصرية، وهكذا اكتشفت أن النجومية مجرد لحظة، فى الصباح كان هنيدى يتجول بحرية فى الشارع ولا يلمحه أحد، بينما فى المساء يتم استدعاء قوات الأمن لتفريق آلاف المعجبين الذين حاصروا الفندق ودار العرض، حتى ينالوا نظرة من نجمهم الأسطورى.
اقرأ أيضا..
وفى الدراسة التى أقامها مهرجان الإسكندرية، احتل المخرج سعيد حامد مكانة متميزة، لأنه بهذا الفيلم حقق نقلة فى مجال الكوميديا بمفردات مختلفة أفصح عنها بقوة فى (صعيدى)، تأليف مدحت العدل، وإنتاج (العدل جروب).
أقيمت ندوة بمهرجان الإسكندرية للمخرج سعيد حامد، الذى كتب عنه الزميل عرفة محمود دراسة- لم تتسنَّ لى قراءتها حتى كتابة هذه السطور.
للسودان الشقيق فيضٌ من الحب فى وجدان كل المصريين، تاريخيًا كنا بلدًا واحدًا، وكان فاروق الأول (ملك مصر والسودان)، إلا أن ما بين مصر والسودان من توأمة لا يحتاج إلى قرار سياسى، أو قيادة مشتركة.
المخرج سعيد حامد نموذج مباشر لتلك الخصوصية، فهو مصرى السينما، يقدم الروح المصرية الخالصة على الشاشة، ورغم تواجده 40 عامًا على أرض (المحروسة) إلا أنه لا يتحدث إلا اللهجة السودانية المحببة لقلوبنا، يُحسب له أنه دفع بهنيدى بطلًا لتتغير بعدها ملامح بطل الكوميديا، وبعد عامين، فى عام 2000، قدم أحمد السقا بطلًا فى (شورت وفانلة وكاب) ليبدأ وجه السينما (الجان) أيضًا يتغير.
استمر سعيد فى التألق، وكان أحد أكثر المخرجين الذين تتهافت عليهم شركات الإنتاج، إلا أن شيئًا ما حدث فى السنوات العشر الأخيرة، ولم تعد خطواته تمتلك نفس القدر من الجرأة، ولم يُتَحْ قطعًا الوقت لأن يبوح سعيد فى الندوة ببعض التفاصيل لنعرف بالضبط الأسباب.
فى عام 1992 كتبت عن المخرجين سعيد حامد (الحب فى الثلاجة)، ورضوان الكاشف (ليه يا بنفسج)، كانا يمثلان رسميًا السينما المصرية فى مهرجان القاهرة السينمائى، فيلم رضوان حقق نجاحًا معقولًا فى دار العرض، بينما فيلم سعيد حامد مُنى بهزيمة قاسية رغم الحفاوة التى حظى بها من النقاد وأيضًا الزملاء، مثلًا المخرج شريف عرفة حرص على أن يشارك بتمثيل مشهد فى فيلم مساعده الأول، كتعبير مباشر عن سعادته بخطوته الأولى، خاصة أن ماهر عواد، الذى كتب أفلام شريف عرفة الأولى، هو أيضًا كاتب (الحب فى الثلاجة).
ابتعد سعيد حامد عن الاستوديوهات فى السنوات الأخيرة، وأتصور أن تكريم مهرجان الإسكندرية كسر تلك العزلة، ولا أستبعد أن نراه بعد أيام، وقد عاد لممارسة عشقه لتقديم نجم جديد يغير مؤشر السينما، مثلما فعلها من قبل مع هنيدى ثم السقا!!.
التعليقات