تتعدد عناوين مسابقات الجمال، وفى مصر (الجميلة) التى نقول عنها دائمًا (إللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى)، وهى بالمناسبة مقولة تحمل قدرًا معتبرًا من الحقيقة التاريخية، إلا أن الأهم من تفنيدها هو الدلالة التى تحملها، والتى تجدها فى مصر الفرعونية، حيث الغناء والرقص والرسم والموسيقى والنحت جزء مهم من طقوسها فى ممارسة الحياة أو فى إقامة شعائر الصلاة.
كان لدينا فى الخمسينيات عيد للقطن واحتفالية خاصة لملكة جمال القطن، وعند رحيل الفنانة القديرة رجاء الجداوى، وبمراجعة تاريخها اكتشفنا أنها فى نهاية الخمسينيات تم تتويجها (ملكة جمال القطن)، بديهى أن المسابقة كانت تشترط ارتداء زى مصنوع من القطن المصرى، المعروف عالميا بأنه ليس فقط (طويل التيلة) ولكنه الأجود، ولهذا وحتى الآن تتباهى الكثير من شركات النسيج العالمية بالإشارة إلى أن هذا القميص أو الفستان مصنوع من قطن بلدنا.
بعد نشر عمود (محمد صلاح وسونيا جرجس)، والذى تناولت فيه بعض حكايات عن زمن مصر (الجميلة)، تلقيت العديد من التعليقات والحكايات، أنقل لكم واحدة منها، كما رواها لى المهندس صلاح دياب، عندما فوجئ الكاتب الصحفى الكبير توفيق دياب (جد الأستاذ صلاح) بسيل من التليفونات والتليغرافات تحمل تهنئة لأن ابنته ليلى توفيق دياب حصلت على لقب (ملكة جمال القطن)، البرقيات قطعًا ليست كلها مباركة واستحسانًا، لا يخلو الأمر بين كل عشر خطابات من غمزة هنا ولمزة هناك.
اكتشف توفيق دياب أن هناك تشابه أسماء مع توفيق دياب آخر يعيش بالإسكندرية، ولأنه الكاتب الشهير فلقد جاءت كل البرقيات إليه، وبعد السؤال عن حقيقة الأمر، اكتشف أن توفيق دياب- الحقيقى- المقصود بالتهنئة مسيحى الديانة.
وكتب توفيق دياب على صفحات جريدة (أخبار اليوم) معبرًا عن سعادته وفخره بفوز ابنته بالجائزة، إلا أنه أضاف (تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه)، وأوضح كل الملابسات، وأرسل تهنئة حارة لتوفيق دياب، والد ملكة جمال القطن.
هناك دائمًا ظلال للأحداث، هى بالضبط ما يعنينا، فى رصد ما يجرى فى الوطن، تراجع الحفاوة بالجمال جاء مواكبًا مع زيادة مساحات تغطية وجوه النساء فى مصر، بفعل توغل التيار السلفى، وشاهدنا فى الانتخابات من تضع صورة وردة بدلًا من وجهها، ورأينا مؤخرًا مطرب المهرجانات الشهير ينشر صورة وردة بدلًا من زوجته، وكأنهم جميعًا تأكدوا أن وجه المرأة عورة وليس فقط صوتها كما يردد بعض المتزمتين.
أصبحنا لا نتوقف عن مناصبة العداء للجمال وتحريم كل ما كنا نتعامل معه ببساطة، المصريون فى حاجة ماسة إلى عقد معاهدة صلح مع الجمال، وأن تعمل الأجهزة الرسمية والمجتمع المدنى على عودة تلك المسابقات بنفس زخم وحفاوة الماضى، هناك من يعتبر أن قضيته الأساسية فى الحياة هى أن يظل صوت المؤذن فى الجامع يعلو ويعلو ويعلو، وهناك من يصبح هدفه أن تزداد معدلات بناء الجوامع فى الوطن، وآخر يقيسها بعدد الكنائس التى تم إصلاحها أو ستتم إقامتها.
مأزق مصر الحقيقى ليس أبدا فى توجهها الروحى، مع إيمانى قطعًا بالمساواة فى حق المسيحى لبناء كنيسته، ولكن علينا جميعا إدراك أن معركة المجتمع هى أولًا فى بناء المدرسة وتحديث المستشفى.
عندما يتراجع الإحساس بالجمال أو نستشعر أن الجمال والخلاعة صارا وجهين لعملة واحدة، تأكد أننا فى كارثة متكاملة الأركان.
تلك كانت بعض من تداعيات صورة محمد صلاح مع ملكة جمال مصر سونيا جرجس، والتى ينطبق عليها ما قاله الشاعر الكبير كامل الشناوى، واصفًا جمال كاميليا (إن بعض الجمال/ يذهب قلبى عن ضلوعى/ فكيف كل الجمال)!!.
التعليقات