الأسبوع الماضي ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في مصر، كنت في هذا الوقت في الساحل الشمالي. جلست داخل الشاليه من شدة القيظ، حرارة لا تُحتمل، رطوبة وجو في منتهى القسوة.
تنبهت أن "الجنايني" لم يأتي كعادته الصباحية، فأطلقت مياه الخرطوم في أرض الحديقة على النجيل، وقلت لا بأس نغرقها حتى لا تحترق النباتات.
ذهبت لتحضير الإفطار وكانت العاشرة صباحا، وإذ بي أفاجأ عند خروجي للشرفة بأعداد كبيرة من الطيور جاءت لاهثة لترتوي.
سقط قلبي بين يدي!
يالها من متعة وياله من منظر يسر الناظرين. إنها الجنة!!!
كنت أخرج كل نصف ساعة لتغيير مكان الخرطوم لتوزيع المياه جيدًا. كل مرة كانت أعداد الطيور تزيد، وكأنهم يبلّغون بعضهم البعض.
الطيور لم تخف من حضوري من شدة العطش. فكان لدي فرصة جيدة لالتقاط الصور وتسجيل فيديو رائع لهم.
كم بقيت المياه مفتوحة؟
إلى الآن أربع ساعات ونصف حتى وقت كتابة هذا المقال.
قلبي لا يطاوعني أن أفصل مصدر الماء، رغم أن الحديقة غَرَقت وسُلَم الشاليه والنجيل بالأسفل وخارج حدود بيتي لمسافة عشرين مترا.
إنها الرحمة!!!
لا شيء يبقيك حيًا كما تفعل الرحمة في قلبك. لا شئ يعطيك قيمتك الحقيقية كما تفعل رقة ونداوة قلبك.
موقف كهذا يبقيني حيّة سعيدة ومشرقة، ليس لعشقي للطيور وحسب ولكن المعروف الذي تقدمه لشخص أو كائن لا يعْرفك فكرة مذهلة لأبعد الحدود.
فُطرنا على الحب، وليس من العدل أن نتناساه.
الحب والرحمة وجهي إقامة الحياة بلطف.
أرى الآن الطيور في السماء يبلغون بعضهم بعضا وتنزل الأسراب بالمئات على دفعات لترتوي.
هنيئا لكم أحبابي!
لقد أضاف هذا الفعل لي أكثر ما أضاف للطيور.
أنت المستفيد الأول من محبتك ورحمتك. أنت من يمتلئ قلبك بالأُنس جراء لطفك.
أشكر الطيور التي ملأتني وأطلت على قلبي بمثل تلك اللحظات التي لن تغادر روحي للأبد.
ما زالت المياه تجري، ومازال قلبي يرتوي.
أشكر الله أن منحني كل هذا الهدوء ومثل هذا الجمال.
تَسْبَح الطيور على أرض الحديقة الخضراء، ترتوي وترطب أجسامها الرقيقة بالماء. أليس من حقها أن تُدلل؟ أليس حقًا علينا أن نرضيها؟ ألسنا جميعا نرتجي من يدلل أرواحنا ويتلطف بقلوبنا ويشعرنا أن فضل جوارنا إلى جانبه عظيم؟
أعود بكم من تلك الحالة الشعورية المفعمة بالجمال لأرض الواقع.
ماذا تعني تلك الكلمات؟
اِبحث عن طيورك!!!
يتوسد حنايا أعمارنا من هم بحاجة إلى ماء يروي عطش قلوبهم؛ لا تتغافل عنهم!
لا تغمض عينيك في الوقت الذي يلوح البِشْر مطلا على شرفتك.
اِمتلئ بالمحبة! حتى وإن غادرت تجد من يفتقد قلبك ويترحم عليك.
نرزق جميعًا مثل تلك الهبات فدرب عقلك على التقاط الخير، واجبر روحك على جودة تلقي تلك الحسنات.
حولنا الكثير من العطشى، فلنبحث عنهم! ولو كان البحث مجهدًا ولو كنت تبحث عن إبرة في كوم من القش.
المعروف يستجلب لقلبك سنوات من الحياة وجودتها. دومًا الجمال يتحدث عن نفسه؛ فاجعله يُعَرِف الناس بك.
أنت في قمة الثراء بمن تحب ومن تصادق ومن تتلطف بقلبه.
مر الآن ما يقرب من خمس ساعات، فهل منكم من يأتي لفصل تيار الماء؟ حقا لا أستطيع أن أفعلها. وكيف لي أن أحرم نفسي من صوت زقزقة السعادة؟
أتعلمون يا أصدقائي، سأفصل الماء عند الغروب، سأترك كل الطيور ترتوي إلى أن تذهب لأعشاشها.
أجمل ما في فعل الخير اكتماله وأن يأتي غير منقوص. كذلك أحب أن يكون حضوري وكذلك أتمنى أن يكون مسلكي في الحياة.
التعليقات