السيد بدير، أحد أساطين الفن فى مصر، الذى تولى فى بداية البث التليفزيونى- 21 يوليو 1960- مسؤولية إنشاء مسرح التليفزيون، كان زمن العرض لا يتجاوز 15 يوما فقط، وذلك من أجل زيادة رصيدنا من المسرحيات، التى يتم عرضها للجمهور تباعا، وأصبحت بالفعل هذه المسرحيات تشكل البنية التحتية للفن المصرى، وعاشت ولاتزال أعمال مثل (أنا وهو وهى) و(السكرتير الفنى) و(نمرة اتنين يكسب) و(المفتش العام) وغيرها.. روى لى الأستاذ السيد بدير أن الأمن لاحظ فى أحد العروض تواجد سيدة تُمسك (حلة محشى) تأتى يوميا للمسرح، ولا تتوقف عن الأكل حتى ينتهى العرض، واقترحوا عليه أن يتم عقد مقايضة، يأخذون منها الحلة، قبل فتح الستار، وتستعيدها بعد إسدال الستار، لم يستحسن الأستاذ الفكرة، وقال لهم طالما تأتى يوميا، هذا يعنى أن هناك ما جذبها، ومع الأيام سوف تقلع عن أكل المحشى، الأستاذ كان يرى أن المسرح أساسا للجمهور بكل طبقاته، وهذا هو الدرس، الفن للناس، فهل المهرجانات التى تقام على أرض المحروسة أيضا للناس؟.
نفتقد- مع اختلاف الدرجة- الجمهور، وهم أصحاب الحق الأصلى، ما نراه فى المهرجانات التى تقام بعيدا عن العاصمة غياب جمهور المحافظة، بينما هم أصحاب الفرح، يجب أن يستشعر أهل المحافظة أنه مهرجانهم، وهذا لن يتحقق إلا إذا وجدنا الفعاليات تقتحم جدران العروض الرسمية إلى النوادى والجامعات والمقاهى، حتى لا يصبح العنوان الدائم (قاهريون يلتقون مع قاهريين) ويتبادلون الحوار، فى محافظة مصرية.
المخرج سعد هنداوى أحدث رئيس لمهرجان الإسماعيلية الذى تقيمه وزارة الثقافة، أنشأ هذه الدورة، ورشة تمثيل بقيادة الفنان الكبير أحمد كمال، جهد مشكور لكنه لا يكفى، يحتاج الأمر إلى خطة متكاملة، تبدأ فور انتهاء هذه الدورة، لنرى جمهور هذه المدينة الغالية متفاعلا مع كل الأنشطة، وهو ما أتمنى أن أرى عليه أيضا جمهور مهرجانات الإسكندرية والأقصر وأسوان، لا أنكر أن هناك جهدا واضحا فى مهرجان (أسوان)، شاهدنا فى العديد من الأنشطة النساء الأسوانيات فى الورش والعروض والندوات، تظل هذه هى فقط بداية، أتمنى أن أرى فى كل المحافظات (بوستر) المهرجان فى الشوارع والميادين وعلى سيارات النقل العام، وأن تشارك المحافظة فى إضفاء حالة (كرنفالية) على الفعاليات التى تحمل اسم المدينة، لأننى على أرض الواقع أجد مع الأسف قدرا من البرودة غير المبرر أو المنطقى.
وضع مثلا الكاتب والمنتج محمد حفظى فى مرحلة رئاسته لمهرجان (القاهرة) خطة لعودة الجمهور، وانطلقت العروض خارج أسوار دار الأوبرا إلى الشارع، وزادت بالفعل أرقام الشباك للضعف، مؤكد سوف يلتقط حسين فهمى الخيط لزيادة عدد الرواد، وربما يأتى اقتراح تخفيض ثمن التذاكر للنصف، أحد الحلول لجذب الجمهور، وتعود ثقافة الشغب (الغائبة) بأفلام المهرجان، التى شكلت ملامح الشارع القاهرى وتبادلت وقتها الجماهير النداء الشهير (قصة ولا مناظر).
تقييم أى مهرجان لا تنحصر مؤشراته فقط فى الأفلام والندوات، لكن أولا فى تعاطى جمهور المدينة مع المهرجان، وهو ما أتمنى أن تضعه الدولة كـ(ترمومتر) فى تقييمها للمهرجانات التى تقيمها أو تدعهما، وتختفى بعدها ظاهرة (قاهريون يلتقون قاهريين).
التعليقات