لا أحد يختار يوم الميلاد ولا الرحيل، وهكذا ومصر كلها والعالم أيضًا يعيش أكثر من حكاية، جاء رحيل الأستاذ الكبير جلال الشرقاوى، إحدى أهم علامات المسرح المصرى منذ الستينيات، ظل الشرقاوى فى كامل لياقته الفنية والفكرية والجسدية، وفى نفس اللحظة تغيب القديرة عايدة عبدالعزيز، صاحبة البصمة الخاصة والعميقة فى فن الأداء، كانت عايدة قد عانت من تبعات (ألزهايمر) فى السنوات الأخيرة.
الكثير من الأحداث سرقت اهتمام الإعلام، حيث إننا جميعًا نخضع لما يريده المتلقى، سواء فى الإطار المكتوب أو المرئى أو المسموع، الإعلام ليس مطلق اليد، هناك اعتبارات خارجة عن إرادتنا جميعًا تلعب دورها.
كانت موجة الناس فى الكاميرون، وبالطبع كانت مؤازرة المنتخب المصرى فى كأس الأمم الإفريقية تستحوذ على الجميع، كما أن النادى الأهلى فى كأس العالم للأندية يسرق قلوب عشاق الفانلة الحمراء، هذا فقط على المستوى الرياضى، وهناك أيضًا الطفل ريان الذى وحَّد قلوب العالم، وأبكاها، ولديكم المعركة المفتعلة التى بددت الطاقة بين الفنان محمد صبحى والمستشار تركى آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه، قبل أن تدخل نقابة الممثلين لإطفاء الحريق.
ورغم ذلك فإن هناك تقصيرًا لا يمكن سوى أن نعترف به فى حق فناننا القدير جلال الشرقاوى، الذى كان لديه قدرة على قراءة الزمن، الذى يغيب عنه التوثيق، فلم ينتظر من الدولة أن تؤرخ مشواره، بل تولى هو كتابة أدق التفاصيل، واكتشفت أن الأستاذ يمتلك بحرفية شديدة أيضًا ناصية اللغة والقدرة على التعبير.
أستاذ لأجيال ممتدة منذ منتصف الستينيات، كل من وقف أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح أو خلف الميكروفون على مدى تجاوز 60 عامًا مدين للأستاذ.
الذى كان يحرص كل عام على التدريس بالمعهد، تلك هى متعته الحقيقية، أن يقرأ الجيل الجديد، وأن يمنح أيضًا من يستحق فرصة.
المخرج المغامر والمنتج الذى لا يحسبها بالورقة والقلم، قد يكسب من عرض مثل (الجوكر)، ولكنه ينفق كل ما حققه على مسرحية غنائية استعراضية مثل (انقلاب) بطولة نيللى وإيمان البحر درويش.
كان جلال الشرقاوى يقدم المسرح السياسى من خلال توأمه الفنى القديرة سهير البابلى (على الرصيف) و(عطية الإرهابية)، وقبلهما (انت اللى قتلت الوحش) كنموذج، ووصل لرجل الشارع وصمد المسرح وظل مضاءً فى وقت أظلم فيه تباعًا العديد من مسارح القاهرة.
لا أظن أن جلال الشرقاوى كان تاجرًا ذكيًا رغم أنهم كثيرًا ما يصفونه بالتاجر، كان صوت الفنان أعلى، ولا أعتقد أنه بحساب الربح والخسارة حقق مكاسب من المسرح.
كان صوته يعلو بالغضب عندما يرى خطأ ما، وهكذا انتقد مشروع أشرف عبدالباقى (مسرح مصر)، ليس بسبب الضحك قطعًا، لأن الشرقاوى قدم أكثر مسرحية أنعشت قلوب المصريين والعرب بالضحك ولاتزال (مدرسة المشاغبين)، واتهمها المتزمتون بإفساد منظومة التعليم، على أساس أننا امتلكنا فعلًا منظومة.
وتبقى القديرة عايدة عبدالعزيز التى تعرضت حتى فى الرحيل لظلم إعلامى مضاعف، لأن أى مساحة متاحة ستصبح من نصيب الشرقاوى، تواجدت عايدة فى زمن سميحة أيوب وسناء جميل ورغم ذلك أثبتت جدارتها، وأعتقد أن درجة طغيانها أمام الكاميرا دفعت بعض النجمات والنجوم للاعتراض على تواجدها فى (الكادر)، وتلك حكاية أخرى يدفع ثمنها أصحاب المواهب الاستثنائية مثل عايدة عبدالعزيز!!.
التعليقات