برحيل صديقى وائل الإبراشى أفقد جزءًا حميمًا ودافئًا من حياتى. حضور وائل فى حياة الناس كان يشكل لحظة ترقب بموعد ثابت شبه يومى على مدى تجاوز السنوات العشر الأخيرة، مع تعدد البرامج والقنوات، كانت الناس تختاره أيًا ما كانت إطلالته، حتى استقر أخيرًا على شاشة القناة الأولى (ماسبيرو) التاسعة مساء.
عادت الجاذبية لتليفزيون الدولة بحضور وائل، فهو يمتلك شفرة وسحر التواصل مع الناس، وائل يشاغب فى المساحة الشائكة وتحت سقف المسموح، يصل بذكاء وحنكة إلى الذروة، لم يتوانَ عن المشاغبة فى العديد من القضايا، التى تعودنا أن نطلق عليها (مسكوت عنها)، يحرك الساكن، أقصد ما نعتبره ساكنًا، ونغفل أن النار تحت الرماد، وائل لا يخشى أن يقبض بيديه على النيران، وائل ابن مؤسسة (روزاليوسف) العريقة، كان يعلم أن هذا هو قدره، وهو لن يقدم فقط لمشاهديه التسلية رغم أهميتها، سيتوغل أكثر فى هموم وأحلام رجل الشارع، وعليه أن يدفع الثمن، يحميه عند الدولة انتماؤه الوطنى، غير قابل للتشكيك فى وطنيته، منذ أن بدأ خطواته الأولى على صفحات صاحبة الجلالة.
صار وائل مع اتساع دائرته الجماهيرية أحد أفراد العائلة المصرية، واتسع محيط الدائرة لتشمل عالمنا العربى، أتابع وائل كمحقق صحفى نادر التكرار على الورق، وظل بداخله صوت الصحفى فى حالة يقظة، وعندما أصبح المقروء مرئيًا، لم يفقد أبدًا جرأته، ولا توازنه، لم يلهث وراء (التريند)، ولأنه صحفى (عُقر) كان يجعل (التريند) هو الذى يلهث وراءه.
لم يضعف يومًا أمام منصب أو مكانة، أتذكر أنهم أخبروه مع بداية الألفية أن الطريق الوحيد لكى يصبح رئيسًا لتحرير (روزاليوسف)- وهى بالمناسبة أمنية مشروعة جدًا- فقط عليه أن يكتب مقالين متتاليين يبشر فيهما بتوريث الحكم لجمال مبارك خلفًا لوالده، وعليه أن ينفى عن التوريث أنه توريث ولكن مجرد اختيار للرجل المناسب للمرحلة القادمة، كان جزء كبير من الطامعين فى المنصب مستعدين لكى يكتبوا بدل المقال عشرة، رفض وائل تلك الصفقة، ولم يكتب ولا مرة ما يخجل منه، ولم يصبح رئيسًا لتحرير (روزاليوسف)، ولكن موهبته رشحته لرئاسة تحرير عشرات من الجرائد الأخرى.
لم يكن وائل عنيفًا فى خصومته السياسية، ولم يخلط الخاص بالعام، ولم يُضبط يومًا باستخدام ألفاظ خارج السياق لكى يقول (نحن هنا)، كان يراهن على حاسته الصحفية النادرة التى لمحها مبكرًا الكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة فى (روزاليوسف)، وهكذا وضعه فى دائرة القيادة مع عدد آخر من الموهوبين، وهكذا تولى رئاسة تحرير (صوت الأمة) عام 2005، وطلب منى أن أكتب صفحة جريدة كاملة متنوعة عن الفن، وبعد بضعة أشهر زادها إلى صفحتين، وهذا يعنى كحد أدنى ثمانية مقالات فنية أسبوعيًا ولم أجد أمامى سوى التنفيذ الفورى.
فى فبراير 2008، اتصل بى وائل وهو يغالب دموعه، وقال لى: (أوقفت طباعة الجريدة، مجدى مهنا تعيش إنت، أنتظر كلمة منك ننشرها على الصفحة الأولى)، وكان عنوان المقال: (بعضى يُشيِّع بعضى)، ولم أدرِ أننى بعد 14 عامًا سوف أنعى وائل (بعضى يُشيِّع بعضى). مجدى ووائل أنقى وأطهر من عرفت فى (الميديا)!!.
التعليقات