أجمل وأروع ما يمكن أن يميز الشخصية المصرية أنها لا تعترف بأن هناك آخر مختلفا، مصر أسقطت من قاموسها تلك الكلمة، الجميع لهم نفس النصيب من الحب والدفء والوطن، وهذا هو سرها منذ البدء، تابع الآن كيف استقبلنا الملايين من أهلنا القادمين من سوريا، وشاهد عدد المحلات السورية فى الشارع، بينما قلوب الناس تهتف قبل لسانهم (أهلين).
وهكذا التقط الكاتب والمنتج محمد حفظى، رئيس المهرجان، تلك الكلمة فصارت هى (التيمة) الرئيسية التى تناولها الحفل بأكثر من ملمح، من أروع الفقرات التى ستظل طويلا فى الذاكرة، تكريم العالمى الكبير أمير كوستاريتسا، المخرج (الصربى) الذى يعتز كثيرا بأنه (يوغسلافى) قبل أن يتم تقسيمها بعد رحيل (تيتو) لعدد من الجمهوريات العرقية والدينية، فوجئ كوستاريتسا عند صعوده على المسرح بتلك الفرقة الموسيقية التى تعزف أنغاما فولكلورية، كثيرا ما كانت تشكل جزءا حميما من نسيج أفلامه، أمير، بتلك الموسيقى، كأنه يرسم ملامحه على الشاشة، وهكذا اندمج على خشبة المسرح، اختيار صائب جدا من حفظى بأن يرأس لجنة التحكيم، فهو إحدى أهم القامات السينمائية فى العالم كله، وهو ما يمنح الجائزة قيمة أدبية ممتدة لما بعد انتهاء المهرجان.
كثيرا ما كنت أرى على ربيع يتجاوز الخط الفاصل بين الظرف والاستظراف، وكثيرا أيضا ما كنت أجد فى مفرداته شيئا من الغلظة التى تتناقض مع روح الكوميديا، لكن هذه المرة كون مع خالد الصاوى ثنائية بها قدر كبير من التلقائية وخفة الظل الناعمة، يا ليته يُمسك بتلك الجرعة المقننة بدقة أثناء تقديم أعماله الدرامية أيضا. شاهدنا فى الفيلم المقدم عن طبيعة مشاعر مصر الدافئة، أسماء العديد من المبدعين فى كل المجالات الذين أثروا الفن والإبداع، رغم أن جذورهم ليست مصرية، إلا أنهم صاروا مصريين بالعشق والإرادة، وأشهرهم قطعا يوسف شاهين، فهو مصرى قُح وابن بلد مصفى، لأنه أراد أن يكون كذلك (لا يهمنى اسمك/ ولا يهمنى عنوانك، يهمنى الإنسان/ ولو مالوش عنوان).
صادف التكريم أهله تماما، كريم عبدالعزيز، منحته الجماهير شيكا على بياض من الحب من أول طلة، أهدى الجائزة لأبيه وأستاذه وصديقه المخرج الكبير محمد عبدالعزيز، وإلى السيدة الرائعة والدته سهير عبدالعزيز التى غابت لظرف صحى طارئ، وإلى زوجته السيدة هايدى سرور، ولم ينس أن يذكر فضل المخرج الكبير شريف عرفه الذى ما إن شاهده فى مكتبه حتى قبل أن يجرى (تيست كاميرا) إلا واقتنع تماما بأنه قد عثر على الممثل القادم بقوة، وأشار بكل تقدير للكاتب الكبير وحيد حامد الذى منحه أول جملة حوار فى (اضحك الصورة تطلع حلوة)، وبعدها صارت صورة كريم أحلى وأحلى وأحلى.
نيللى، وبلا جدال، حفرت فى الأعماق حالة من الحب الذى لا يعرف نهاية، وأضاف تواجد سمير صبرى على خشبة المسرح معها حضورا للتاريخ. كان من الممكن اختصار الحفل بتأجيل الأغنية التى لحنها هانى شنودة، وغنتها هند عبدالحليم للختام، حتى لا يشعر الجمهور بتخمة.
تأجيل عرض فيلم الافتتاح لليوم التالى لا يتفق أبدا مع مهرجان عنوانه السينما، المفروض أن كل فقرات الحفل تخضع لفيلم الافتتاح.
استعان المهرجان بالمذيعة الجميلة منى عبدالوهاب، التى أثبتت عمليا، وبما لا يدع مجالا للشك، أن الجمال وحده لا يكفى!!.
التعليقات