الشيخ محمد رفعت هو صوت الجنة، لا يعلم كُثر أن هذا الشيخ الجليل كان يدندن الطقاطيق والموشحات والقصائد العاطفية، إلا أنه كان يخشى أن يسجلها بصوته حتى لا يعتبرها بعض المغالين، ممن لا يخلو منهم أى زمن، بدعة تتعارض مع جلال القرآن.
الجانب الآخر للصورة، وأعنى به عددًا من المطربين، الذين شرعوا أو بتعبير أدق حاولوا تسجيل القرآن، مثلما حدث مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، رغم جذورهما الدينية، ولكن بعض أصحاب المفاهيم القاصرة وقفوا حجر عثرة ضد ذلك، بحجة أنها تتعارض مع صحيح الدين، إلا أن هناك أيضًا من اعتبر أن من مارس الغناء لا يجوز له أن يسجل القرآن.
أم كلثوم كانت تتمنى تسجيل القرآن كاملًا بصوتها، وهى بالطبع استندت إلى ثقافتها وتدريب صوتها منذ الطفولة على الأداء القرآنى، كما أن لها تسجيلًا لآية من الذكر الحكيم فى فيلم «سلامة» ولم يعترض وقتها أحد فى منتصف الأربعينيات، كما أن الإذاعة المصرية حتى منتصف الخمسينيات كانت تسمح لعدد من السيدات بقراءة القرآن، وقال لى الإذاعى المخضرم الأستاذ فهمى عمر- أمد الله فى عمره- إن هذا الأمر كان طبيعيًا جدًا، ولم نسمع اعتراضًا أو حتى تحفظًا من أحد.
كان من المفترض أن أم كلثوم تلقى ترحيبًا، إلا أن المفاجأة هى أن الأزهر الشريف وقف فى الستينيات ضد رغبتها، وهى طبعًا لم تكن تملك سوى أن تمتثل للأمر. الموسيقار محمد عبدالوهاب وثقافته أيضًا دينية وكان يحفظ القرآن الكريم على يد شقيقه الكبير الشيخ حسن عبدالوهاب، وهو يعتبر من دراويش سيدى الشعرانى، إلا أنه لم يجد ترحيبًا من الأزهر، وله تسجيل متوفر عبر (اليوتيوب) وهو يقرأ سورة (الضحى). وكان قد تردد قبل نحو خمسة عشر عامًا أن نجاة تسعى لتسجيل القرآن وأنها تقدمت للأزهر بهذا الطلب، وعندما استفسرت مباشرة منها عن صحة هذا الخبر، حيث إن الفنانة «نجاة» كانت وقتها معتزلة ليس فقط الغناء ولكنها معتزلة أيضًا التواصل الإعلامى، قالت لى إن الخبر لا أساس له من الصحة.
فى السنوات الأخيرة لدينا أكثر من مطرب أعلن عن رغبته فى تسجيل القرآن مثل على الحجار ومحمد الحلو وإيهاب توفيق وأحمد سعد.
ترددت فتوى مؤخرًا، تضع شروطًا أمام المطرب الذى يريد تسجيل القرآن، وبات عليه أن يؤكد أولًا اعتزاله الغناء، وكأنه يعترف بأن الغناء معصية وأنه لن يعود إليها أبدًا. إنها فتوى كما هو واضح لا تتعامل على أرض الواقع، حيث إن أغانى هذا المطرب أو تلك المطربة متواجدة عبر كل الفضائيات، فما هى الجدوى إذن وراء توقفه عن الغناء العاطفى.
ماذا لو كانت أم كلثوم وعبدالوهاب قد سجلا، كما كانا يأملان، القرآن، ألم يكن هذا فى صالح الدين؟ أنا هنا لا أعقد مقارنة بين أساطين القراء وكل من أم كلثوم وعبدالوهاب، ولكننا يقينًا خسرنا الكثير، لأن المكتبة الصوتية لم تحتفظ بصوت أم كلثوم وعبدالوهاب وهما يرتلان القرآن، مثلما سبق أن خسرنا التسجيل الكامل للقرآن بصوت الشيخ محمد رفعت، لأن أحدهم قال له يا مولانا إن تسجيل القرآن على أسطوانة يتعارض مع صحيح الدين، وما نسمعه الآن للشيخ رفعت هو ما سجله الهواة لبعض آيات الذكر الحكيم، إنهم لا يتوقفون أبدًا عن ادّعاء حماية الدين بالتفسير المتعسف للدين!!.
التعليقات