من زمان وأنا صغيرة مكنتش بحب مدرستي، كنت بكرهها حرفيًّا. عمري ما كرهت المدرسة ولا المدرسين ولا صاحباتي. مدرستي كانت من أعرق مدارس الإسكندرية الفرنسية ومدرساتي كانوا هوانم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وحبيتهم جدًا.
أمال محبتش إيه؟
الضغط!!!
أفتكر مرة كنت كبيرة وأنا في إعدادي عيّطت أول يوم دراسة بحرقة، حاجة تضحك مش كده؟
بموت في مبانيها الرائعة الشيك، اتعلمت فيها كل حاجة حلوة بعملها دلوقت، وأدين لها بتعليمي الخير والحق والصواب والشياكة.
كل الجمال ده مكنش كافي إني أكون سعيدة فترة الدراسة.. كانت كابوس بالنسبة لي.
عمري ما فهمت ليه غير لما قربت من ٥٠ سنة.
هههه متأخر شويه مش كده؟
كنت طفلة مثالية غير مؤذية.. مكنتش من الأوائل بس دايمًا ملتزمة بواجباتي وميعاد المدرسة.
فكرة وضع شخص في قالب مقيد وإجباره في سن صغيرة على التعلم، والصرامة الشديدة في تطبيق القواعد كانت بترعبني.
طبيعتي اللي ربنا خلقها جوايا.. مبحبش أعمل غلط عشان مبحبش حد ينتقدني أو يوجه لي إهانة.. كنت بموت لما الفصل يتذنب عشان ناس اتصرفت غلط، أنا ماكنتش منهم طبعًا.
مهما كان جمال المكان والناس اللي فيه مش هتعرف تكون نفسك غير لو فهمت أنت بتعمل إيه ولقيت حد يقدرك.
احتجت فترة الابتدائي كلها عشان ابدأ أكوّن أصحاب وعلى نص فترة الإعدادي كان لي أصحاب مكملين معايا إلى اليوم.
اتعلمت بفطرتي أفصل بين وجعي الداخلي اللي محدش كان حاسس بيه وبين حبي لمدرستي ومدرسيني وصاحباتي وبين عدم قدرتي إني أكون نفسي في غياب الدعم النفسي والتقدير المستمر من أغلب من حولي.
كلمات التقدير البسيطة اللي تلقيتها لسه محفورة جوايا كأنها امبارح.
فيه ناس في حياتنا بيقدروا يدوروا عجلة حياتهم لوحدهم وناس أخرى تحتاج زقة عشان تقدر تشوف نفسها وتحبها وتقدرها.
عمري ما قدرت أفهم العلاقات دي غير لما أدركت معنى إنك تشوف نفسك وتقدرها وتشجعها وتدعم روحك بكل قوتك.
مش لازم أكون أحسن شخص الناس تتفق عليه لكن لازم أتعلم أحب نفسي وأقدرها واديها الدعم اللي تستحقه.
استمرار الضغط العصبي كل سنة بما إني كنت شخصية حساسة وكتومة عمره ما خلاني قدرت أشوف فتره ١٣ سنة من عمري أكتر من مجرد فترة ضاغطة وصعبة في حياتي.
كل السنوات اللي بعد كده من كلية، ودراسة للماجستير والدكتوراه، وأنا متجوزة ومخلفة ثلاث أطفال، مكنتش أصعب حاجة في حياتي. صعوبة فهمك للأشياء وأنت في سن صغير بيقف حائل أمام الكثير من المواقف مما قد يعتبر عمر بأكمله.
متأكدة إن كل حاجة بنتعرض لها في حياتنا بتخلينا أحسن وأقوى وأكثر تحملاً وثبات على الأرض، بس مكنش فيه ضامن لده إلا أرادة الله في نفسي.
ده علمني منذ نعومة أظافري معنى العطاء الحقيقي اللي بيوصل ويؤثر في الناس ويغير حياتهم للأحسن.
فاقد الشيء يعطيه بقوة!!
الإحساس بالآخرين نعمة يعرفها جيدًا أصحاب القلوب المرهفة.
أرجع وأقول كان لازم أتعرض للضغط ده "من وجهه نظري" حتى أكون اليوم ما أنا عليه من إنسان.
ربنا بيربينا ويسندنا بأوتاد تعيش معانا العمر كله لأنه خلقنا وعارف مكونات قلوبنا من القوة والضعف واللين والصلابة، ببساطة عارف اللي ناقصنا وبيكمله لنا عشان نقدر نكون نسخة جيدة من أنفسنا.
المشاق دي في سن صغيرة خلتني معرفش كلمة مستحيل وكانت إرادة التحدي لصنع شخصية قوية ومتزنة من نفسي وقهر الصعاب دستور جوايا. الأجمل إنه إداني إرادة حقيقية وصلابة عنيفة قدرت بيهم أواجه أصعب المواقف اللي عدت على عمري.
أنت تهزم المستحيل وقت إدراكك أنك تستطيع ذلك.
الأجمل إني اتعلمت مانكسرش ووقوعي كان دايمًا حافز لي أكمل بشكل أقوى وأكثر ذكاء وحكمة.
حِبوا تاريخكم وواقعكم ووقْعاتكم وسندتكم لنفسكم.. أنت أقوى بعدد الهزائم التي مررت بها وأنجح بتاريخ الصبر الذي جاهدت به نفسك. أنت شخص قد لا تعرف عنه الكثير، أنت جيشك الوحيد.
التعليقات