كيف يجرؤ بعض الأبناء على الهجر التام لآبائهم وأمهاتهم وكيف يجرؤون على رميهم في أماكن لا تليق بهم إما في دور الرعاية للمسنين دون علمهم أو في أماكن أخرى للتخلص منهم؟
ما الذى يحدث في مجتمعاتنا لم نكن نعهده من قبل بهذا القدر!! من عنف اجتماعي وتفكك أسري وأنهيار للروابط الأسرية ومقاطعات بين أفراد الأسرة تدوم لسنوات طوال!!!
وأثناء الزيارة لاحدى دور المسنيين رأيت مشاهد مؤلمة لأمهات يعانين من وحدة قاسية يصفن كيف غدرت بهن الأيام وينتظرن لحظة حنان تعيد لهن أبناء ربما نسوا أن لهم أماً ضحت بحياتها من أجلهم! .. وتحكى لى سيدة تبلغ من العمر حوالى 70 عاما ورفضت عدم ذكر اسمها وكانت عيناها مليئتين بالدموع.
وتقول : قد تفرغت لتربيته هو واخته بعد وفاة والدهما فكنت لهما الأم والأب تربي وتتابع في الدراسة وتعد الطعام وتقوم بكل مسئولياتها لخدمتهما ورعايتهما.
وبعد وفاة زوجى الذي رحل فجأة تزوجت ابنتى وهاجرت الى الخارج مع زوجها، وبعد فترة انزلقت رجلى اثناء اعدادى الطعام لإبنى وزوجته قبل عودتهما من العمل ووقعت رجلي، وكان التشخيص المبدئي كسر في المفصل وكان لابد من العملية رغم كبر السن وضعف الصحة العامة.
أجريت العملية وبعد أيام تم نقلى للبيت، ولم تعد زوجة ابني تحتملني واستخدمت كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة في محاولة تجميل فكرة الحاقى بدار للمسنين حيث تجد من يرعاني وانهم متخصصون في ذلك وعادت الزوجة وطفلها إلى البيت وأصبحت لاتطيقنى في نفس البيت.
كانت قسوة القلب تمزق قلبى وأنا أخفق دموعى عن ابنى وزوجة ابني تزيد من اشعال النيران في قلب ابنى حتى يقبل خروجى من البيت وفاتحنى ابني في فكرة بيت المسنين، حيث تجد من يرعاني وتخدمنى وتعتني بي أكثر منهم واعدا إياه بأنه حل مؤقت حتى أشفى وتكون زوجته قد استعادت صحتها بعد تعب الولادة ولم يستطع أن يرفع عينيه من الأرض والنظر لي أثناء الحديث.
ووافقت وأنا أعلم ما الذي يعتمل بداخلى في هذه اللحظة وأوصته الا يتأخر عن زيارتى واودعني بدور المسنيين ولم يأت الابن الحبيب لزيارتى.
وفي غرفة مجاورة التقيت بأحد المسنات ورفضت ذكر اسمها قائلة: توفي زوجي تاركا لي 3 أطفال وكان عمري وقتها 25 عاما فضلت تربيتهم علي عروض الزواج التي انهالت علي ولم أقتنع بمحاولات أهلي المستميتة لإقناعي بالارتباط حفظا لجمالي الذي رزقني الله به وكان علي أن أختار بين أمرين: إما النزول إلى محل زوجي الراحل ومباشرة العمل فيها أو الاهتمام فقط بتربية أبنائي وأخترت الإثنين معا لأقوم بدور الأب الذي يعمل والأم التي ترعي وتقوم علي احتياجات أسرتها.
وأضافت الأم سارت بنا الحياة وأبنائي يكبرون أمامي وتخرجوا جميعا في كليات القمة واستقل كل واحد بحياته يستكمل دراسته العليا أو يسافر للعمل بالخارج.
وفي الوقت الذي كان تتقدم بي السن ويغزو المرض جسدي النحيل لم أجد حولي من فلذاتي سوي وضعى داخل أحدى دور المسنيين وتتوقف الأم عن الكلام لتمسح دموعها ثم تتابع حديثها وتساءلت إذا كان هذا جزاء من سهر وتعب وربي فلماذا أنجبناهم وأعطيناهم قلوبنا وعمرنا؟!
حيث أمر الله سبحانه وتعالى الأبناء عموماً في آيات كثيرة ببر الوالدين ووجوب طاعتهما والإحسان إليهما وشكرهما وبين كيفية ذلك في سورة الإسراء فقال عز وجل: (وقضى ربك أَلاَ تعبدوا إِلاَ إِياه وبِالوالِدينِ إِحساناً إِما يبلغن عندك الكبر أَحدهما أَو كلاَهما فلاَ تقل لَهما أُفٍّ ولاَ تنهرهما وقل لَهما قولاً كرِيما واخفض لَهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربيانِي صغِيراً)
التعليقات