يُشكل موضوع تعريف الجريمة وتحديد أركانها وبيان أنماطها، أهمية خاصة بالنسبة لتدابير الوقاية وخطط مواجهتها ، إذ يصعب الحديث عن نشاط اجتماعي سالب أو الدعوة إلى مواجهته دون تصنيفه من قِبَل المجتمع كجريمة يطالها القانون ويحدد لها عقاباً.
وفي ضوء تجريم النشاط الاجتماعي السالب تتحرك أجهزة العدالة الجنائية نحو مواجهتها بكافة تدابير الوقاية والمكافحة ، وبين يديها آليات إثبات أركان الجريمة وإيجاد العلاقة بينها وبين الجاني والضحية.
في كثير من دول العالم مازالت أجهزة العدالة الجنائية تقف مكتوفة الأيدي أمام العديد من أنماط الجرائم السيبرانية التي يكتنف تعريفها الغموض، بسبب قصور التشريعات العقابية وعدم قدرتها على مواكبة المتغيرات المتسارعة في التقنيات السيبرانية.
ولاشك أن حداثة هذا النوع من الجرائم المرتبطة بتقنيات الحاسب الآلي التي لم يألفها القانونيون ، كان وراء القصور في التشريعات الموضوعية والشكلية اللازمة لمواجهة ظاهرة الجرائم السيبرانية.
الجرائم السيبرانية
إن تعدد أنواع التقنيات السيبرانية وأنظمتها المعلوماتية، علاوة على مهارات الهاكرز المتطورة تأتي دائما بأنماط من الأنشطة التي تندرج ضمن قائمة عمليات إساءة استخدام تقنيات الحاسب الآلي وبرامجه ، مما يقتضي تعريف كل منها تعريفا دقيقا. ومن قائمة عمليات سوء استخدام التقنيات السيبرانية السائدة نشير إلى الآتي:
العبث بالحاسب الآلي ، الغش المعلوماتي ، غش الحاسب الآلي ، الإخلال بأمن الحاسب الآلي ، سـرقة الحسـابات البنكية إلكترونياً ، غسل الأموال بتقنيات إلكترونية (الفساد السيبراني) ، القرصنة ، وضع واستغلال الشراك السيبرانية ، استغلال الهجوم المتزامن لإرباك برامج الحاسب الآلي ، الحصول على المعلومات بالبحث في المهملات ، تسريب المعلومات ، التسلل السيبراني بانتحال الشخصية ، سرقة المكالمات الهاتفية والرسائل السيبرانية.
لا تقف الأنشطة التي تندرج تحت قائمة الجرائم السيبرانية فيما ذُكِر أعلاه ، بل تتضاعف وتتجدد كل يوم مع تنامي واستحداث التقنيات السيبرانية والبرامج المعلوماتية المتجددة أبداً. كما أن أهمية تعريف الجرائم السيبرانية لا تقف عند بيان عناصر الجريمة وأركانها ، بل هنالك حاجة مُلحَّة لتعريف العديد من المصطلحات والعبارات الفنية المستعملة في مجال الحاسب الآلي والتقنيات السيبرانية ، لأن عدم وضوح تلك المصطلحات في إطار قانوني معتمد قد يجعل من الصعب التعامل مع الجريمة السايبرانية. ونشير هنا – على سبيل المثال – إلى بعض المصطلحات الرئيسة التي ساقها Deepti Chopra وهي:
الحاسب الآلي ، معالجة البيانات ، البيانات الخامة ، القائمة ، الملف ، البرنامج ، البرامج المرنة ، البرامج الصلبة ، بنك المعلومات ، قرص ، الإنترنت ، الإنترانت ، البريد السيبراني ، الشبكة ، الخادم ، بروتكول الإنترنت ، السجل السيبراني .. وغيرها من المصطلحات التي ألفها الناس وتلوكها الألسن ببساطة.
قد يرى البعض أن هذه المصطلحات أصبحت لغة واضحة ومألوفة لدى العامة ، إلا أننا في جانب القانون الموضوعي في حاجة إلى نصوص يُعتد بها في تعريف هذه المصطلحات بالقدر الذي يزيل الغموض والشك والاختلاف ، خاصة وهي مصطلحات ذات مدلولات فنية أو معلوماتية مؤثرة في وصف وتنميط الأفعال والعمليات التي تُشكل الجريمة السيبرانية أو أحد أركانها.
تناول البعض الآخر الجرائم السايبرانية كظاهرة عابرة للحدود Deva Vasu ، بمنظور عالمي من حيث:-
طبيعتها ونطاقها ، علاقتها بالإنترنت ، علاقتها بالشبكات الدولية ، أثرها على الجرائم الاقتصادية ، علاقتها بالجرائم الإرهابية.
ناقشت دراسة Deva Vasu القوانين التي سنتها الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، اليابان ، إيطاليا ، ألمانيا ، وفرنسا لمواجهة الجرائم السيبرانية ، وكشفت نقاط الضعف وجوانب القصور في تلك التشريعات ناسباً أسباب القصور إلى سرعة التطور التقني مقابل بطء حركة القانون الجنائي وجموده على النهج العتيق الذي لا يواكب المتغيرات التكنولوجية المتسارعة.
كما خلصت تلك الدراسة إلى إصباغ المنظور العالمي على مفهوم الجرائم السيبرانية باعتبارها نشاطاً إجرامياً عابراً للحدود الدولية يتطلب تعاوناً دولياً .
أما الدراسات التي أعدتها الجمعية الأوروبية للمعلومات ، لتعريف الجريمة السيبرانية وطرق مكافحتها في ضوء القوانين الجنائية الأوروبية ، فقد إتجهت إلى التمييز بين النشاط الإجرامي والوسيلة التي تم بها تنفيذ النشاط الإجرامي، داعية إلى تعريف النشاط الإجرامي وجعل وسيلة تنفيذه عاملاً من عوامل تشديد العقوبة، وتعتبر تقنية المعلومات وفقاً لهذه الدراسة عنصراً مساعدًا للجاني على إنجاز النشاط الإجرامي على نطاق جغرافي واسع وبسرعة ودقة وسرية لم تكن تتحقق دون تقنيات الحاسب الآلي والإنترنت ونظم الاتصالات الحديثة.
الكاتب والباحث الإماراتي
عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات
عادل عبدالله حميد
التعليقات