من منا لا يعرف الغرفة السرية، من منا لم يطرق بابها ويحتمي بالحقيقة بين جدرانها؟ تلك الغرفة التي نخطو داخلها بمفردنا ليس معنا هذا الجاه أو تلك السلطة أو هذا القهر، نرفع عنا أقنعة التكيف والمهادنة، نزيل الهموم من على الأكتاف ونكتفي بالحلم الافتراضي حول ما إذا كنا ولم نكن والممكن والمستحيل.
فهذا يدخل غرفته السرية مرهق من حساباته يود أن يكون شخص عادى لا تحوطه تلك الحراسات التي يتخيل أنها تحميه من قضاء الله يرغب في الهدوء والسكينة بدون التلفت يمينا ويسارا، يصب جام غضبه على دفتر شيكاته الذي يشترى له الطاعة والحياة المرفهة ويزيل أعبائه ويطلب النوم بدون أن تعمل الآلة الحاسبة في رأسه، وتلك السيدة التي تبدو لكم هادئة ومطيعة وتتخيلها سعيدة في حياتها البسيطة تهرع إلى تلك الغرفة لتصرخ بقوة الرعد لينفجر بركان غضبها على هذا الأحمق الذي تزوجته وتطيعه رغبة في التكيف المجتمعي الذي يحيطها من كل جانب تركن إلى راحة يدها لعلها تجد الحنان والحب بداخلها وتحلم لتجد نفسها تسبح في حياة أخرى تملك فيها زمام حياتها وتعثر على شخصيتها بعد أن طمسها هذا الرفيق ولا تجد غضاضة في الطيران بعيدا عنه لتجد السكينة التي رحلت عنها منذ زمن بعيد.
تلك الغرفة السرية يطرق بابها هذا الطفل الممزقة ملابسه الذي يتقمص شخصية عنيفة وننفر منه حينما يقترب منا يتوسل منا الجنيهات وتحيطنا نظراته الوحشية أحيانا بما لنا وليس له يجد في غرفته السرية حلمه الجميل وتجد دموعه الطريق للخروج والتحرر من قناع يرتديه يوميا لمزاولة مهنة في حياة لم يرغبها إذا خيروه يوما يحياها أم يتنازل عنها سعيدا غير نادم عليها.
تلك الغرفة التي دخلها بدون أجنحة مقصوصة الأحلام بأوامر مجتمعية بنزعات دينية تجعلني الأدنى في كل شيء والأكثر قيودا في كل شيء وهناك بعد أولى خطواتي بداخلها تنبت أجنحتي وأطير ولا ينازعني هذا أو ذاك ولا أجد من يقيمني أو يحكم على اختياراتي، في تلك الغرفة لا توجد جدران فقط السماء أحلق فيها كطائر النورس يجد الطيران حياته وأحيانا هدفه الوحيد.
ولا يمضي يوما واحد لا نمر على تلك الغرفة إما مرور الكرام نتحسس بابها المغلق ونعدها بالزيارة قريبا أو مرورا يستغرق منا ساعات وأحيانا أياما نسبح مع أحلامنا المشروعة الممنوعة ومنا من يخلد نائما تحتويه يوميا حوائطها وتهدهده ليستسلم للنوم وعلى وجه ابتسامه الأمل، تلك ليست غرفة الشيطان الذي يوسوس لكم بعدم الرضا أو النقمة على ما أنتم فيه ولكنها غرفة الحقيقة التي لا يسكنها سوى أنتم ولا يراكم فيها سوى الله الكاشف لكل ما يدور في رؤوسكم بداخل غرفة تمتلئ آلما وغضبا وآملا كم هو اجتماع غريب لكثير من المشاعر المتناقضة ولكنى لا استغربها فما الإنسان إلا خليط منها تكتمل حياته باجتماعها وينتفي عنه الكمال بوجودها، لعل وجود تلك الغرفة يمثل بداية التغيير لكثير منا فهي مثل الأرشيف لا تنسى حرفا ذكرته بداخلها ولا موقفا ترك بصماته بسجل الحياة لعلها تكون اليد المساعدة حينما ننوى اتخاذ قرار الحياة اقل آلما وإرهاقا.
نجوان ضبيع
التعليقات